الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، ويقصدون سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وبلالاً وغيرهم من المسلمين، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
(1)
(2)
، وقد قالت قريش لبعضهم:"هؤلاء أصحابه كما ترون، أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا بالهدى والحق، لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله دوننا"
(3)
.
وبذلك فإن الكبر كان مانعاً قوياً من دخول الملأ من المشركين للإسلام، وقبولهم له، حتى ولو كانوا موقنين بأنه الحق، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}
(4)
.
ب) حب الزعامة والجاه:
إن الزعامة والجاه والسلطة والتي تتوافر لدى الملأ من الناس هي دافع من دوافع امتناعهم ومعاداتهم للدعوة؛ لأنهم لا يرضون أن يكونوا بلا سلطة ولا جاه يميزهم عن غيرهم، ويجعل لهم أتباعاً يأتمرون بأمرهم وينتهون بنهيهم، كما أن اعتقادهم أن الأنبياء لم يأتوا إلا ليأخذوا الزعامة منهم، ففي قصة نوح عليه السلام في قوله تعالى:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ}
(5)
، يقول الرازي: "إن من شُبَههم أن هذا الإنسان أحب الرياسة والمتبوعية فلم يجد
(1)
سورة الأنعام، الآية:52.
(2)
انظر: صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، رقم 6241، ص 1064.
(3)
السيرة النبوية، ابن هشام، 1/ 360.
(4)
سورة النمل، الآية:14.
(5)
سورة المؤمنون، الآية:24.
إليهما سبيلاً إلا بادعاء النبوة"
(1)
.
قال الشيخ السعدي: "إن هذه المعارضة لازالت موجودة في مكذبي الرسل"
(2)
، ويقول ابن القيم رحمه الله:"إن هذا هو داء أرباب الملك والولاية والرياسة، وقل من نجا منه إلا من عصم الله، وهو داء فرعون وقومه"
(3)
.
وقد تبين ذلك من مشركي قريش عندما خافوا أن تضيع الزعامة والرئاسة من أيديهم، وأن يفسد عليهم أتباعهم، فقد عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم عدة عروض منها قولهم:"وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا"
(4)
.
كما ارتد كثير من الأعراب عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب الرياسة والزعامة، وعدم قبولهم تزعُّم أبي بكر الصديق رضي الله عنه للمسلمين، فمنهم نفرٌ من بكر بن وائل قالوا:"تعالوا حتى نرد الملك في دار النعمان بن المنذر، فإنه أحق بهذا الأمر من ابن أبي قحافة"، ومنهم الأشعث بن قيس عندما قال لقومه كنده:"وإنها لنا أجود ونحن لها أحرى وأصلح من غيرنا؛ لأنا الملوك من قبل أن يكون على وجه الأرض قرشي ولا أبطحي"
(5)
.
(1)
التفسير الكبير، الرازي، المجلد الثاني عشر، الجزء الثالث والعشرون، ص 80.
(2)
تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص 643.
(3)
مفتاح دار السعادة، ابن القيم، 1/ 100.
(4)
السيرة النبوية، ابن هشام، 1/ 277.
(5)
الردة، الواقدي، ص 147 - 175.