الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
يعرض ربعي بن عامر الإسلام على رستم وهو بين حاشيته ويذكر لهم بعض محاسن الإسلام ثم يوضح أن النهاية هي موعود الله، وعندما سُئل ما هو موعود الله قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى. فأوضح أن الرغبة بالجنة هي الغاية، وأن من أسلم كانت الجنة هي موعوده بخلاف من لم يسلم.
(4)
عندما دعا عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه قومه فآذوه ونالوا منه ورموه بقوس أصاب أكحله، وقبل أن يموت كاد القوم أن يقتتلوا، فقال لهم عروة رضي الله عنه: لا تقتتلوا، فهذه كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ. ففي هذا المقال إيضاح لما ينتظر الشهيد من الكرامة في الآخرة، فقد بينها لهم، وأوضحها قبل وفاته رضي الله عنه، وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:"مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه".
ثانياً: أسلوب الترهيب:
مثلما أن الترغيب يجلب النفوس إلى ما تحب فإن الترهيب يخيفها ويردعها، فالترهيب من الرهبة وهي "الخوف والفزع"
(1)
، وهو أسلوب فيه نوع من الشدة، فأسلوب الترهيب في الدعوة هو "تذكير المدعو بكل ما يخيفه، وتهديده بالعذاب إن عاجلاً أو آجلاً، إن خالف ما أمر به الله، وارتكب ما نهى عنه؛ لأن النفس كما تستجيب عن طريق الترغيب تنقاد عن طريق الترهيب خوفاً أو طمعاً"
(2)
.
(1)
لسان العرب، ابن منظور، مادة: رهب، 1/ 437.
(2)
منهجية علم الدعوة، محمد قاسم الشوم، ص 114.
والترهيب كان من أساليب الرسل عليهم السلام، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(1)
، وقال تعالى:{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ}
(2)
، وقد أنذر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس من النار، فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنذركم النار، أنذركم النار، أنذركم النار"
(3)
.
وقد اُستخدم الترهيب للتنفير من الأعمال السيئة والمعاصي، وذلك إما أن يكون بالترهيب من عاقبة في الدنيا أو مآل في الآخرة، وهذا الأسلوب يتعامل مع النفس البشرية بإثارة عاطفة الخوف في داخلها، وذلك لتراجع ما تقوم به، وليبعث فيها النفس اللوامة حتى تنجو من عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. ولأن نفوس البشر تألف الشهوات فكان الترهيب أداة إنذار وتحذير وإيقاظ للتخويف من عواقب الأمور وخواتيمها، ولأن بعض النفوس لا تأتي بالترغيب فيكون الترهيب هو الأسلوب الأمثل، ومن خلال التربية النبوية للصحابة نجدهم لا يقومون بأي عمل أو أسلوب إلا اتباعاً لما عرفوه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان ترهيبهم بالخوف من غضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة هو الأسلوب المتبع لديهم، وسوف يتضح لنا ذلك من عرض بعض مواقف الترغيب والترهيب لديهم رضي الله عنهم، وكيفية استخدام هذا الأسلوب، ومع من يستخدم:
(1)
سورة نوح، الآية:1.
(2)
سورة الأحقاف، الآية:21.
(3)
صحيح ابن حبان، كتاب الرقائق، باب الخوف والتقوى، الحديث رقم 643، 2/ 14. حديث صحيح (الألباني، المشكاة، رقم 5687، 3/ 1583).
أ) عندما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قبل دخوله مكة قام العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه بدعوة أبي سفيان، وكان ذلك بأسلوب الترهيب من عاقبة الأمور في الدنيا، فلما التقيا قال العباس: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله، قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: والله لأن ظفر بك ليضربن عنقك.
ففي بداية حديث العباس مع أبي سفيان رضي الله عنهما كان إشارة إلى الهلاك الدنيوي فقوله: "واصباح قريش والله" كانت إرهاباً وإرعاباً لأبي سفيان، مما جعله يسأل عن الحيلة والحل، فكان في الثانية أيضاً ترهيب من القتل في قوله:"والله لأن ظفر بك ليضربن عنقك"، فكان في البداية تخويف من هلاك القبيلة كاملة، وبعد ذلك تخويف من هلاكه بنفسه، وقد أثمر ذلك الأسلوب عن ذهاب أبي سفيان مع العباس رضي الله عنهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإسلامه.
ب) حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدافع عن الإسلام بشعره، يرسل أبياتاً لابن الزبعرى يخوفه فيها من وضعه وحالته التي هو عليها، وذلك بعد هروبه من الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ولجوئه إلى حصن في نجران، وكان قد آذى الرسول صلى الله عليه وسلم بشعره ودعاه فقال له حسان في أبياته:
لا تعدمن رجلاً أحلك بُغضُه
…
نجرانَ في عيش أحذَّ لئيم
بُليت قناتك في الحروب فاُلفيت
…
خمانةً جوفاء ذات وصوم
غضب الإله على الزبعرى وابنه
…
وعذاب سوء في الحياة مقيم
وفي هذه الأبيات تخويف لابن الزبعرى من وضعه الحالي في نجران، والعيش اللئيم، بالإضافة إلى ترهيبه من غضب الله عليه في الآخرة، وسوء الحياة في الدنيا، وأنه سيبقى معذباً فيها، فكان لذلك وقع في نفس ابن الزبعرى مما جعله يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويعلن إسلامه ويقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رآه مقبلاً: (هذا ابن الزبعرى ومعه وجه فيه نور الإسلام (.
جـ) في قصة بجير بن زهير مع أخيه كعب بن زهير رضي الله عنهما ترغيب وتحبيب في العفو، وفيها أيضاً ترهيب من القتل وتبيان ذلك له، فقد أخبر بجير أخاه كعباً في كتابه له أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه، وقال له: (النجاء وما أراك تفلت (، فذكر إهدار الدم فيه من الرهبة والخوف ما يكفي، وخصوصاً أن المسلمين قد ظهروا على المشركين وفتحوا مكة، ثم ألحق التهديد الأول بتهديد آخر يبين فيه عدم إمكانية النجاة؛ لأن المسلمين أصبحوا في كل مكان، ودانت لهم العرب، فحرك ذلك الشعور بالرهبة من القتل، والرغبة كما ذكرنا سابقاً بالنجاة، فكان خليطاً من الرغبة والرهبة مما جعله يسلم ويعتذر للرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضح مدى الرهبة والرغبة في قصيدته التي قال فيها:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
…
يوماً على آلة حدباء محمول
أنبئت أن رسول الله أوعدني
…
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ
…
ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل
د) ولقد جمع خالد بن الوليد رضي الله عنه في كتبه إلى الفرس عدة أساليب من أساليب الدعوة، ومن هذه الأساليب الموجودة في كتبه أسلوب الترهيب والذي كان فيه نوع من إبراز عزة الإسلام والمسلمين، وأنهم أقوياء بالله، ولم يقل إن قوته بنفسه، فمن الشواهد في كتبه على التهديد والتخويف كتابه إلى رستم ومهران وملأ فارس الذي ذكره الطبراني في "المعجم الكبير"، ويقول فيه: (فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر (.
وفي كتابه لأهل المدائن الذي ذكره الطبري وفيه يقول خالد بن الوليد: "وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوماً يحبون الموت كما تحبون الحياة"، فكان خالد قائد جيوش المسلمين يرهب المشركين من الفرس بقوة المسلمين ومحبتهم للموت في سبيل الله على الحياة، مما جعل أهل المدائن عندما قرؤوا هذا الكتاب يتعجبون منه.
هـ) من أعظم أساليب الترهيب في الدعوة التي استخدمها الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين هو ما قام به أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه في وقت كانت القبائل العربية ترتد عن الإسلام، بالإضافة إلى معارضة بعض الصحابة لذلك، إلا أن إنفاذ الجيش كان فيه نوع من استعراض القوة حتى يتبين للمشركين ومن ارتد أن الدولة الإسلامية لا يزال لها هيبة ومنعة وقوة ولم تضعف، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}
(1)
، كما أن في كتابه رضي الله عنه الذي أرسله مع قادة الجيوش إلى قبائل العرب شيئاً من الترهيب لمن ارتد وأصبح من المشركين وذكر فيه:"وأمرته ألا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحاً قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام"
(2)
.
فكانت دعوته رضي الله عنه بالترهيب مما سوف يحصل إن لم يرجعوا إلى الإسلام، وكان لذلك دور كبير في عودة الكثير إلى الإسلام، ومن لم يسلم برهبة الكتاب أسلم برهبة الجيوش.
و) من أساليب الترهيب التي استخدمت في الدعوة ما قام به الأنصار من دعوتهم لعبدالله بن عمرو بن حرام أبي جابر عندما واعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق، فكان من دعوتهم له ما ذكره كعب بن مالك أنهم قالوا له:"إنا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه فتكون لهذه النار غداً حطباً"، وعرضوا عليه الإسلام فأسلم وحضر بيعة العقبة.
(1)
سورة الأنفال، الآية:60.
(2)
تاريخ الأمم والملوك، الطبري، 2/ 258.