الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: أهل الكتاب والمشركون:
مما سبق يتضح أن الشرك هو إشراك الله سبحانه وتعالى في أي شيء اختص به نفسه، فلو آمن الإنسان بالله أنه هو الخالق الرازق المعبود، وأشرك معه في أي شيء مما يختص به سبحانه من العبادة، فإن ذلك يدخله في دائرة الشرك، وذلك بحسب نوع الشرك الذي أشرك به.
ولأن هذا المبحث يتكلم عن المشركين؛ فإنه لابد من إيضاح من هم المشركون المعنيون هنا، فمن عنوان المبحث، ومما يتضح لنا من المقدمة، نجد أن المشركين المقصود بهم هم من كانوا غير أهل الكتاب من الوثنيين والملاحدة والمجوس والصابئة ومن هم على شاكلتهم.
ولأن أهل الكتاب اختلف فيهم هل هم من المشركين أم لا؛ فإن للعلماء في ذلك وبناءً على ما ورد في القرآن الكريم ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المشركين هم نوع من الكفار الذين يشملون أهل الكتاب؛ فالكفر جنس ينقسم إلى نوعين: أهل الكتاب والمشركين
(1)
، وقد دل على ذلك قوله تعالى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}
(2)
، وقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
(1)
انظر: التفسير الكبير، الرازي، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص 204.
(2)
سورة البقرة، الآية:105.
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}
(1)
، "فكلمة "المشركين" معطوفة بالخفض على "أهل الكتاب""
(2)
، وبذلك يكون الكفار اسماً عاماً يشمل أهل الكتاب والمشركين، فيخرج بذلك أهل الكتاب من المشركين، "وقد قال ابن عباس رضي الله عنه:"أهل الكتاب" اليهود الذين كانوا بيثرب، وهم قريظة وبنو قينقاع، و"المشركون": هم الذين كانوا بمكة وحولها والمدينة وحولها، وهم مشركو قريش"
(3)
.
القول الثاني: أن الكفار هم أهل الكتاب، أما المشركون فهم عبدة الأوثان؛ "وذلك أنه يجوز أن تكون كلمة {وَلَا الْمُشْرِكِينَ} معطوفة على {الَّذِينَ}، وبذلك يكون {الَّذِينَ كَفَرُوا} جنساً مستقلاً عن المشركين"
(4)
.
القول الثالث: أن أهل الكتاب من المشركين، فقوله سبحانه:{وَالْمُشْرِكِينَ} وصف لأهل الكتاب؛ لأن النصارى مثلثة واليهود مشبهة، وهذا كله شرك
(5)
، وذلك أن من النصارى من قال أيضاً إن المسيح هو الله، ومنهم من قال هو ابنه، ومنهم من قال إنه ثالث ثلاثة، واليهود منهم من يقول إن عزيراً ابن الله.
(1)
سورة البينة، الآية:1.
(2)
جامع البيان، الطبري، 1/ 695.
(3)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثالث، المجلد العاشر، ص 282.
(4)
المرجع السابق، الجزء الأول، المجلد الأول، ص 376.
(5)
انظر: التفسير الكبير، الرازي، المجلد السادس عشر، الجزء الثاني والثلاثون، ص 39.
وقد جاءت آيات تدل على أن مسمى الشرك يشمل أهل الكتاب مثل قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(1)
، فجعل مقالة كل اليهود والنصارى إشراكاً
(2)
.
ومما لا شك فيه أن أهل الكتاب هم كفار، إلا أن الاختلاف هو في دخولهم في مصطلح "الشرك" من عدمه، ويتضح لنا أن احتمال دخولهم في "المشركين" كاصطلاح وارد بنسبة عالية، فلو قمنا بتطبيق التعريفات السابقة الخاصة بمصطلح "الشرك" لوجدنا أنها تنطبق عليهم، وذلك من العبادة والتقرب والمحبة والرجاء والخوف والعطاء والمنح والتوكل والاستغاثة والدعاء وغيرها.
وقد خرج أهل الكتاب من مجال هذا المبحث باستثنائهم من المشركين المبحوثين واقتصار المبحث على المشركين من غير أهل الكتاب بكافة أشكالهم ممن كان لهم تعامل مع الصحابة وتمت دعوتهم.
(1)
سورة التوبة، الآية:31.
(2)
انظر: تتمة أضواء البيان، محمد الأمين الشنقيطي، أتمه عطية محمد سالم، 9/ 168.