الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ}
(1)
، "لذلك يمكن القول: إن الداعية مطلوب منه الذهاب إلى المدعوين والانتصاب لدعوتهم وذلك قدر الاستطاعة وجهده"
(2)
.
وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على إتيان المدعوين في أماكنهم لعدة أمور منها:
1 -
اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى المدعوين وغشيان مجالسهم وأنديتهم وأسواقهم.
2 -
حرصهم على هداية أهليهم وأقوامهم وإنقاذهم من الهلاك في الآخرة.
3 -
أن أغلب الصحابة رضي الله عنهم كانوا مشركين؛ لذلك هم يعلمون أن المشركين لن يأتوا إلى الدعاة ليسألوهم عن الإسلام فكان منهم الحرص على أن يذهبوا هم إلى المشركين.
ثالثاً: عدم احتقار المدعو أو الاستهانة به:
إن احتقار الأشخاص واستصغارهم ليس من الإسلام؛ لذلك "لا يجوز للداعي أن يستصغر شأن أي إنسان أو يستهين به فلا يدعوه؛ لأن من حق كل إنسان أن يُدعَى ويُهتمَّ بأمره، وقد يصبح هذا الذي لا يقيم له الداعي وزناً هو عند الله له وزن كبير بإيمانه وعلمه وعمله، وكذا خدمته للإسلام والدعوة إليه"
(3)
.
(1)
سورة المدثر، الآيتان: 1 - 2.
(2)
الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، 2/ 566.
(3)
الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، 2/ 569.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو كل من يراه دون استصغار لأحد أو استهانة بوضعه، فقد دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو صبي ابن تسع سنين، وقيل: دون التسع سنين، وقيل: إحدى عشرة سنة
(1)
، فلم يستهِن الرسول صلى الله عليه وسلم بصغره، فكان علي رضي الله عنه من الرسول صلى الله عليه وسلم كمنزلة هارون من موسى
(2)
، وحمل لواء الرسول في أكثر المشاهد وفتح الله على يديه حصن خيبر، وكان خليفة المؤمنين
(3)
. وهذا عمار بن ياسر كان فقيراً ومن المستضعفين في مكة حيث إنه لا عشيرة له ولا منعة ولا قوة
(4)
، فأصبح من المبشرين بالجنة، وغيرهم كثير. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على قبائل العرب وزعمائها ولم يستجب له أحد منهم حتى لقي عند العقبة من منى في الموسم -موسم الحج- ستة نفر كلهم من الخزرج وهم يحلقون رؤوسهم فجلس إليهم فدعاهم واستجابوا لله ولرسوله وآمنوا وصدقوا
(5)
، فجعل الله من هؤلاء الستة على قلة عددهم نواة إسلام الأنصار، وإنشاء عاصمة الدولة الإسلامية في المدينة، فلم يقلل الرسول صلى الله عليه وسلم من شأن هؤلاء النفر ومن قلة عددهم مقارنة بالقبائل التي كانت في ذلك الموسم.
وكذلك تلطفه صلى الله عليه وسلم مع عداس وهو غلام نصراني لعتبة وشيبة أبناء ربيعة وذلك بعد أن دعا سادة ثقيف وأشرافهم وطردهم له وإغراء سفهائهم وعبيدهم بسبه
(1)
انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، 3/ 21 - 22.
(2)
انظر: البخاري، كتاب الفضائل، باب مناقب علي رضي الله عنه، رقم 3706، ص 625.
(3)
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، 2/ 1294 - 1297.
(4)
انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، 3/ 247 - 248.
(5)
انظر: إمتاع الأسماع، المقريزي، 1/ 50.
ورجمه وطرده، يقول البيهقي:"وكان صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يبلغه رسالة ربه"
(1)
.
وقد وصف الله سبحانه الأقوام الكافرة أنهم هم من يحتقرون غيرهم، فقال تعالى في قوم نوح عليه السلام:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}
(2)
، وقالوا أيضاً:{أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}
(3)
، فالاحتقار من صفات الكفار، وقد وضع الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قاعدة للميزان الذي يجب على المسلم اتباعه في تعامله مع الناس، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (
(4)
، وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره (
(5)
.
فالحديثان السابقان يضعان القاعدة التي يجب على المسلم بشكل عام والداعية بشكل خاص أن يتبعها ويجعلها نصب عينيه، وقد حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا؛ فنجد أبا بكر الصديق رضي الله عنه يشتري بلال بن رباح رضي الله عنه وهو عبد مملوك لا يملك حتى نفسه، ويقدمه لأجل الإسلام، فأصبح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (
…
فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يديَّ
(1)
دلائل النبوة، البيهقي، 2/ 307.
(2)
سورة هود، الآية:27.
(3)
سورة الشعراء، الآية:111.
(4)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم 6543، ص 1124.
(5)
جامع الترمذي، أبواب المناقب، باب مناقب البراء بن مالك رضي الله عنه، رقم 3854، ص 871. حديث صحيح (الألباني، صحيح الجامع، رقم 4573، 2/ 839).