الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: إلى ماذا يدعو الداعي
؟
هذا السؤال من أهم الأسئلة التي يجب الإجابة عليها، والإعداد على ضوئها لجميع المسلمين، وليس للدعاة فقط، ولكن لأن حديثنا هنا يختص بالدعاة فإننا لن نتطرق إلى غيرهم في الإجابة على هذا السؤال وطريقة إعداد الداعية على ضوئه.
فالإجابة على هذا السؤال هي دعوة الداعي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، ومعرفة الإسلام، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المعارف الثلاث هي الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها، والتي ذكرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
(1)
، وهي مجال إعداد الداعية في الإجابة على (إلى ماذا يدعو الداعي؟).
1 - إعداد الداعي بمعرفته بربه:
إن أول واجب على كل مسلم هو معرفته بالله تعالى، وأنه هو ربه، ولا إله غيره، ولكي يقوم الداعية بإيصال هذه المعلومة إلى المدعو يجب عليه أولاً معرفة ذلك بنفسه معرفة وافية تقيه الفتنة والانحراف، قال تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}
(2)
، وما أرسل الله سبحانه وتعالى من رسول إلا ليعلم الناس من هو الله، قال تعالى:{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}
(3)
، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
(4)
.
(1)
انظر: الأصول الثلاثة وأدلتها، محمد بن عبدالوهاب، ص 9،
(2)
سورة الأنعام، الآية:102.
(3)
سورة النحل، الآية:2.
(4)
سورة الأنبياء، الآية:25.
وقد ذكر ابن القيم: "أن الرسل من أولهم إلى خاتمهم -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أرسلوا بالدعوة إلى الله، فعرفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفاً مفصلاً حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه يكلم ملائكته ويدبر أمر ملكه، ويسمع أصوات خلقه، ويرى أفعالهم وحركاتهم، ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم، يأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويحب ويسخط، ويضحك من قنوطهم وقرب غيره، ويجيب دعوة مضطرهم، ويغيث ملهوفهم، ويعين محتاجهم، ويجبر كسيرهم، ويغني فقيرهم، ويميت ويحيي، ويمنع ويعطي، ويؤتي الحكمة من يشاء، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويفك عانياً، وينصر مظلوماً، ويقصم ظالماً، ويرحم مسكيناً، ويغيث ملهوفاً، ويسوق الأقدار إلى مواقيتها، ويجريها على نظامها، ويقدم ما يشاء تقديمه، ويؤخر ما يشاء تأخيره، فأزمَّة الأمور كلها بيده، ومدار تدبير الممالك كلها عليه، وهذا مقصود الدعوة، وزبدة الرسالة"
(1)
.
إن في ما قاله ابن القيم وصفاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن المعرفة بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته. ومن هذا المنطلق كان إعداد الداعي في هذا المجال مطلباً مهماً، وقد حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تهيئتهم وإعدادهم في ذلك ليكونوا دعاة من بعده.
(1)
مدارج السالكين، ابن القيم، 3/ 364 - 365.
فكان من إعداد الصحابة أنهم كانوا ينهلون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتسابقون على سماع ما أنزل إليه من القرآن وحفظه، كما أنهم كانوا يسألونه في كل الأمور التي تُعرفهم بخالقهم، وقد علَّمهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما علَّمه ربه فيما فيه وصف الله سبحانه وتعالى، فعلمهم سورة الإخلاص، قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(1)
(2)
.
بهذا كان إعداد الصحابة كدعاة من خلال تعريفهم بربهم، وبهذا كانوا يتعاملون مع المدعوين، كما أنه أوضح لهم صلى الله عليه وسلم وحذرهم من الاستسلام لإغواء الشيطان، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله (
(3)
، فوضع صلى الله عليه وسلم لهم القواعد في معرفة الله سبحانه وتعالى، والدعوة إليه، والضوابط في ذلك، فكان ذلك إعداداً للصحابة فيما يتعلق بمعرفتهم بالله.
(1)
سورة الإخلاص، الآيات: 1 - 4.
(2)
سورة الحشر، الآيات: 22 - 24.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، رقم 343، ص 69.