الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشركين، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من الصلاة في بيته بمكة أمام المشركين، وعمرة القضيَّة عندما أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة شعائر الإسلام أمام قريش، وأبو أمامة عندما دعا قومه للإسلام واجتنب أكل الطعام الحرام معهم، وهو جائع، كل ذلك يبين فائدة مخالطة الداعي للمشركين فيما يحقق الخير له وللمدعوين، على أن يأمن الفتنة والتهاون في دينه.
الفائدة الثامنة: أن على الداعية استثمار المناسبات والفرص في الدعوة إلى الله:
"الفرصة هي وقت أو ظرف مناسب للقيام بعمل ما"
(1)
، وتفويت هذه الفرصة لا يعيدها نفسها بل تذهب بدون رجعة إلى أن يأتي الله بفرصة غيرها. ولهذا نجد أن الصحابة رضي الله عنهم قد فهموا معنى "الفرصة" وحاولوا الاستعداد لها للاستفادة منها واغتنامها، حتى لا تفوتهم ويفوتهم خير كثير، وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم تسنح له فرصة إلا استثمرها، بل يبحث عنها لكي يستثمرها في الدعوة إلى الله، ومن ذلك استثماره لمكانة مكة عند العرب وزيارتهم لها سواء للحج أو للتجارة أو لأي أمر كان، فما سمع بأحد دخل مكة إلا ذهب إليه ودعاه إلى الإسلام، كما اغتنم تجمعهم في أسواق العرب، وأيضاً اغتنم المواقف كما حصل مع رسول هرقل وهو في تبوك، فدعاه الرسول للإسلام ولم يفوِّت فرصة مجيئه إليه بمناقشة كتاب هرقل فقط
(2)
.
(1)
معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، 3/ 1692.
(2)
انظر: جامع الأصول في سيرة الرسول، ابن كثير، ص 806.
فمن هنا يجب على الداعية أن يغتنم كل فرصة تسنح له، وأن يستعد لها بما يستعد له الدعاة من تجهيز أنفسهم بالعلم والجهد والوقت، بل يجب عليه أن يبحث عن هذه الفرص ويبحث عن مكانها وزمانها وجميع أحوالها، فقد دعا يوسف عليه السلام وهو في السجن، وقد دعا الغلام من أصحاب الأخدود وهو مصلوب على جذع ليقتل
(1)
.
وذلك بيان أن سوء حال المدعو لا يمنع من الدعوة، ولا يحول دونها، فكان بلال بن رباح رضي الله عنه يُعذَّب وهو يقول:"أحد أحد"، ويوصلها لأسماع المشركين، فإذا كان هذا الحال في مواقف الشدة، فكيف الحال والفرص في الرخاء والاطمئنان.
ففي دعوة الصحابة ومنهجهم توظيف واستثمار لكل طارئ وفرصة تسنح، وضربوا بذلك القدوة لكل من يقوم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بأن الداعية يجب أن يكون كيِّساً فطناً، لما يخدم الدعوة ويدافع عن الإسلام.
(1)
انظر قصة الغلام في: صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام، رقم 7511، ص 1297.