الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب فيما يتعلق بالمدعو
المطلب الأول: المدعو من المشركين وأهميته لدى الصحابة رضي الله عنهم
-
المدعو هو أحد الأركان الأساسية الذي تدور حوله العملية الدعوية، بل هو الهدف من هذه العملية، وهو من تنتهي إليه الجهود الدعوية، وهو المعيار الذي تظهر عليه النتائج من هذه العملية والتي يتبين لنا منها مدى نجاح هذه الجهود من عدمه والمستوى الذي وصلت إليه هذه الدعوة.
ويعرف المدعو بأنه: "المتلقي للدعوة والمستهدف بها فرداً كان أو جماعة، ذكراً أو أنثى، صغيراً كان أو كبيراً"
(1)
.
ويذكر الدكتور المغذوي تعريفاً مختصراً شاملاً لكل من يطلق عليه اسم "مدعو" فيقول: "هو كل مخاطب بالدعوة من الخلق، وهذا التعريف جامع لكل أوصاف المدعو ومن هو داخل في الخطاب الديني ويشمله نطاق الدعوة في الخلق، سواء أكان من الإنس أم من الجن، وسواء أكان من أمة الدعوة أم
(1)
المصطلحات الدعوية، عبدالله المجلي، ص 10.
من أمة الإجابة"
(1)
. وذكر الجن هنا لا يعني تكليف البشر بدعوتهم؛ لأن ذلك فوق طاقتهم، كما أنه أمر خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا اقتداء لنا به في هذا
(2)
؛ فقد ذُكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الجن فأجابوا، يقول مقاتل في تفسيره لقوله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا}
(3)
: "إن تسعة نفر من الجن من أهل نصيبين استمعوا إلى رسول الله يقرأ القرآن ببطن نخلة فأسلموا ودعوا قومهم حتى إنهم أتوا إلى النبي من العام القادم في البطحاء وقد أصبحوا سبعين رجلاً من الجن مسلمين، وعلَّمهم القرآن وأدَّبهم وقضى بينهم"
(4)
، "وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا سبعة وجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم"
(5)
، وبهذا تكون دعوة الجن أمراً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن تكليف غيره من البشر بها، ومن هذا فإن المدعو الذي يعني الصحابة هم البشر، وما يعنينا في بحثنا هنا من المدعوين هم المشركون من غير أهل الكتاب، ودعوة الصحابة رضي الله عنهم لهم.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمدعو أهمية كبيرة عند جميع الرسل عليهم السلام، فكان إرسالهم لهداية هذا المدعو، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا
(1)
الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص 556.
(2)
انظر: فقه الدعوة، بسام العموش، ص 57.
(3)
سورة الأحقاف، الآية:29.
(4)
تفسير مقاتل، مقاتل بن سليمان، 3/ 228 (بتصرف).
(5)
جامع البيان، الطبري، 10/ 170.
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}
(1)
، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}
(2)
، {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}
(3)
، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}
(4)
، {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}
(5)
، فنجد أن الله سبحانه وتعالى بيَّن لأنبيائه أن مهمتهم هي هداية المدعوين ثم بعد ذلك يأتي الإسلام، فينسخ ما قبله ويكون نبيه صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، والمرسل إلى جميع المدعوين بعد ذلك، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
(6)
، فالمدعوون في رسالته صلى الله عليه وسلم هم كلُّ العالمين، يقول ابن قتيبة:"العالمون هم أصناف الخلق الروحانيين وهم الإنس والجن والملائكة كل صنف منهم عالم"
(7)
. ويبيِّن الله تعالى المدعوين لرسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}
(8)
، وفي قوله تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}
(9)
، يقول ابن جرير:"إن الله عز وجل يقول لنبيه: قل يا محمد للناس كلهم: فإن رسالتي ليست لبعضكم دون بعض ولكنها إلى جميعكم"
(10)
.
(1)
سورة الأعراف، الآية:59.
(2)
سورة النمل، الآية:45.
(3)
سورة الأعراف، الآية:65.
(4)
سورة الأعراف، الآية:85.
(5)
سورة طه، الآية:24.
(6)
سورة الأنبياء، الآية:107.
(7)
غريب القرآن، ابن قتيبة الدينوري، ص 38.
(8)
سورة سبأ، الآية:28.
(9)
سورة الأعراف، الآية:158.
(10)
جامع البيان، الطبري، 5/ 521.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبدالله: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة (
(1)
، يقول شيخ الإسلام في ذكر كلمتي "الناس والعالمين" في القرآن والسنة قال:"فاسم "الناس" و"العالمين" يدخل فيه العرب وغير العرب من الفرس والروم والهند والبربر"
(2)
، ويقول الشيخ البسام:"قد جعل الله تعالى في هذا النبي وفي رسالته السامية الصلاحية والشمول لأن تكون الدستور الخالد والقانون الباقي لجميع البشر على اختلاف أجناسهم وتباين أصنافهم"
(3)
. والشاهد مما سبق من الآيات والأحاديث والأقوال هو المدعو ومن هو؟ وما أهميته في الإسلام والدعوة؟ وما ترتب على ذلك من أهمية لدى الصحابة رضي الله عنهم وحرصهم على تبليغ الرسالة إليه؟ بالإضافة إلى الفضل والأمر العظيم الذي سيحصل عليه الصحابة بدخول هذا المدعو إلى الإسلام، ففي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة خيبر قال: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم (.
ولو لم يأت من الفضل للصحابة رضي الله عنهم إلا ذلك لكفى، وجعل لأهمية المدعو عندهم مكاناً عليا، وذلك ما جعل المدعو لديهم سلعة يتاجرون بها مع الله ويرجون الربح من ورائها والأجر من عند الله، والاستثمار الباقي، وذلك ما جعلهم يسخِّرون الصعب ويخاطرون بأرواحهم وأموالهم وأهليهم من أجل هذا المدعو،
(1)
صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً (، رقم 438، ص 76.
(2)
مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 34/ 207.
(3)
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، عبدالله بن عبدالرحمن البسام، ص 76.
فهذا مصعب رضي الله عنه ترك دنياه ووالدته من أجل الإسلام والدعوة، وهذا عروة بن مسعود رضي الله عنه يفقد حياته من أجل هداية قومه ودعوتهم، وهذا الحارث بن مسلم التميمي رضي الله عنه يفرط في الغنيمة ليكسب إسلام القوم، وهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقرأ القرآن عند المقام تحت الكعبة فيُضرب ويُؤذى كل ذلك لعله يكون سبباً في هدايتهم
(1)
، وغيرهم كثير. والهدف من ذلك كله ما يعلمونه من أهمية هذا المدعو وأهمية دخوله للإسلام، وذلك في الدنيا بنصرة الدين وقوة المسلمين وإضعاف المشركين، وفي الآخرة بالفوز بالربح العظيم والنجاة من النار، فقد ينجو وينجيه بأمر الله، ويكتب له الأجر بعمل هذا المدعو إذا أسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً (
(2)
، يقول الشيخ ابن عثيمين:"في هذا دليل على أن المتسبب كالمباشر، فهذا الذي دعا إلى الهدى تسبب فكان له مثل أجر من فعله"
(3)
، فمن هنا نجد مدى أهمية هذا المدعو لدى الصحابة رضي الله عنهم فهو كمن أوقف وقفاً إلى يوم القيامة.
(1)
انظر: السيرة النبوية، محمد بن إسحاق، 1/ 225.
(2)
صحيح مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم 6804، ص 1165.
(3)
شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، 2/ 361.