الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوصف له أن بغضه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألجأه إلى العيش في نجران عيشة لؤم ومهانة وكسافة، وأن ما كان يحارب به الرسول صلى الله عليه وسلم من سلاح أصبح ضعيفاً رديئاً، وأنه سوف يعيش حياة سوء وعذاب مستمرين في الدنيا، فعندما جاء ابنَ الزبعرى شعرُ حسان أحس بما حوله وخرج من نجران وعاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم.
د) استخدم العباس بن عبدالمطلب أسلوب الإحساس بالواقع وذلك في دعوته لأبي سفيان بن حرب رضي الله عنهما، فعندما قال له العباس:"ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله"، فكأن العباس يقول لأبي سفيان: انظر إلى الواقع وما سوف يصيبكم في مكة ولا تكابر، فإن هذه الجيوش ما أتت إلا لتدخل مكة، فأسلموا أو استسلموا وارضوا بحكم الإسلام؛ لأن واقع الحال لا يقبل غير ذلك، فكان ذلك فأسلم أبو سفيان واستأمن لأهل مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا بفضل الله ثم بفضل الأسلوب الذي استخدمه العباس رضي الله عنه.
ثالثاً: أسلوب القدوة والسيرة الحسنة:
إن حسن سيرة المؤمن واستقامته ومعاملته الحسنة يعكس أخلاق الدين الإسلامي أمام كل من يرى ذلك المؤمن، فيجذب إليه الأفئدة، وتجتمع عليه القلوب، فيكون ذلك مدعاة للتأثير في المدعوين والاقتداء بالداعي، فكان واجب كل داعٍ أن يعلم أنه لن يستطيع التأثير في المدعوين إن لم يكن هو نفسه قد تأثَّر بالإسلام، ومن ثَمَّ قد يكون سبباً في نجاح الدعوة أو في فشلها.
فمن أبلغ ما يؤثر به في الناس هو القدوة الحسنة؛ "فالنفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، ولا ينتفع به؛ ولأجل هذه النفرة قال شعيب عليه السلام لقومه:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}
(1)
، فكم من داعية أثَّر على الناس بعلمه وبحاله من دون أن يعظهم ويذكرهم، فسيرته تستنطق الأفواه بالتسبيح، وكم من أمم دخلت في دين الإسلام بسبب القدوة الصالحة"
(2)
.
ولأن هذا الأسلوب هو تطبيق عملي مرئي من المدعوين فإن له نفعاً في إقناعهم وجذب أحاسيسهم للتأمل والتدبر من خلال ذلك القدوة، وما يقوم به، وبذلك يكون هذا في ذاته دعوة إلى الإسلام بدون نطق.
وقد حث القرآن الكريم على أن يكون الإنسان المسلم قدوة حسنة ومثالاً يُحتذى به، وألَّا يكون مثل بني إسرائيل، قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
(3)
.
وقد حرص الصحابة على أن يكونوا هم أول من يتَّبع ما يدعون إليه، ومن ذلك مواقف كثيرة وعديدة، فأحياناً يتَّبعون الأمر ثم يدعون إليه، وأحياناً تكون أخلاقهم وسيرتهم هي الداعي إلى اتباعهم، ومن هذه المواقف ما يأتي:
(1)
سورة هود، الآية:88.
(2)
البصيرة في الدعوة إلى الله، عزيز فرحان العنزي، ص 132.
(3)
سورة البقرة، الآية:44.
أ) إن من أبلغ الشواهد في سيرة الصحابة على القدوة والسيرة الحسنة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كان رجلاً مؤلَّفاً لقومه، محبَّباً سهلاً ذا خلق، ومعروف، وكان قومه يأتونه ويألفونه لحسن مجالسته
(1)
، فكان لذلك تأثير على دعوته وعلى استجابة المدعوين له؛ لما يرونه فيه من سيرة تجعلهم يؤمنون أن من تتوافر فيه هذه الخصال لا يدعو إلَّا لحق، فقد أسلم على يديه كثير من كبار الصحابة، بالإضافة إلى ما كان يفعله من شراء العبيد وإعتاقهم. ومن دعوته رضي الله عنه بالعمل دون الكلام ما فعله من بناء مسجد في داره فكان يصلي فيه فيما ذكر ابن هشام من كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: وكان رجلاً رقيقاً إذا قرأ القرآن استبكى، فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته
(2)
.
فقيامه للصلاة وقراءته القرآن وبكاؤه كان لها تأثير على من يراه من الصبيان والنساء والعبيد، وهذه دعوة غير مباشرة وصامتة لكل من يراقبه.
ب) ومن أسلوب عرض القدوة الحسنة ما قاله العلاء بن الحضرمي للمنذر بن ساوى من ضمن حديثه معه حيث قال: "هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه، ولمن لا يخون أن لا تأمنه، ولمن لا يخلف أن لا تثق به"، وكان يقصد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، 1/ 239.
(2)
انظر: المرجع السابق، ص 344.
ففي هذا المثال يبين العلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في الصدق، وقدوة في الأمانة، وقدوة في إعطاء الوعود، فعرض هذه الصفات على المنذر بن ساوى استجلاب لحواسه لكي يميز عن طريقها ما مدى كون هذا النبي قدوة في مكارم الأخلاق والسيرة الحسنة التي لا تصدر إلا من شخص يستحق أن يُتَّبَع ويُصَدَّق فيما أتى به؛ مما جعله يقول:"ولقد عجبت أمس ممن يقبله، وعجبت اليوم ممن يرده".
جـ) عندما ذهب عروة بن مسعود ليدعو قومه وكان لديهم ذا قدر ومكانة حتى إنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهم لو وجدوني نائماً ما أيقظوني"، فعندما أتاهم ودعاهم وآذوه تركهم وأراد أن يريهم الإسلام بالطريقة العملية، فقام في صلاة الفجر وصعد على غرفة له فأذن بالصلاة لكي يدعوهم بطريقة غير مباشرة حتى يتعرفوا على الإسلام، إلا أن الشقاء في ذلك الوقت غلب عليهم فرماه أحدهم بسهم أصاب أكحله، فنزف دمه حتى مات رضي الله عنه، ولكن قبل مماته أراد أن يبلِّغهم الإسلام بأخلاقه، وذلك حتى آخر ساعة من حياته، فعندما أرادوا أن يقتتلوا بسببه نهاهم وتصدَّق بدمه على قاتله وقال:"هي كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله لي"، فأيُّ إيمان وأخلاق يتصف به عروة رضي الله عنه الذي أوصل رسالة الإسلام لقومه بحسن الخلق وطيب الشمائل!
د) من القدوات الذين دعوا أقوامهم للإسلام أشخاص كان لهم عند أقوامهم مكانة ومنزلة رفيعة، ويرى أقوامهم أنهم أصحاب رأي سديد، فيثقون