الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ببصيرة وتعقل وتمييز، ومن ذلك دعوة مصعب بن عمير لسعد بن معاذ رضي الله عنهما عندما أتاه مغضباً متشتماً فطلب منه مصعب رضي الله عنه بلين ولطف وبيان قدر وحكمة أن يجلس فيسمع إن رضي كان بها، وإن كره اعتزلوه، فعند ذلك حكَّم سعد بن معاذ رضي الله عنه عقله وبصيرته ورأى أن ما يقوله مصعب رضي الله عنه هو الإنصاف، ولا يرفضه إلا جاهل، فجلس واستمع إليه فأسلم، وما قاده إلى الإسلام إلا حكمته ورجاحة عقله، قال تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
(1)
.
وهنا نجد أن مصعب بن عمير استخدم مع الحكيم الحكمة فكان لها الأثر القوي في التأثير على المدعو؛ لأنه خاطبه بلغته وعقله وتفاهم معه بحكمته وفضله.
ثالثاً: المدعوون من العوام:
1 - تمهيد:
"المقصود بالعوام هنا هم الناس من غير الملأ، أو ذوي القربى، وهم الغالبية العظمى في أي مجتمع، كما أنهم في الغالب يكونون تابعين للملأ ويباشرون مختلف أنواع المهن والحرف، والعامة خلاف الخاصة"
(2)
.
وقد كان العوام هم أكثر أتباع الرسل، بل هم أول من يتبعهم عليهم السلام، فقد قال قوم نوح من الملأ لنوح: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ
(1)
سورة الأعراف، الآية:178.
(2)
العين، الفراهيدي، باب الثنائي الصحيح، باب العين والميم، 1/ 95.
إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}
(1)
، وقال تعالى عن قوم ثمود:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}
(2)
، وكذلك كان أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أغلبهم من العوام والضعفاء، وذلك عندما سأل هرقل أبا سفيان رضي الله عنه قبل أن يسلم حين قال: أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم، فذكر هرقل أن أتباع الرسل هم الضعفاء
(3)
.
ومن أسباب سرعة استجابة العامة للدعوة والدخول في الإسلام هو عدم وجود موانع لديهم كالتي لدى الملأ من الجاه والسلطة، كما أن الكبر نادراً ما يوجد بينهم؛ لعدم وجود مقومات له، ولذلك جعل الله للمتكبر من غير سبب عذاباً عظيماً؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر (
(4)
، يقول القاضي عياض: "إن سبب هذا الوعيد أن كلاً منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه وعدم ضرورتها إليه، وضعف دواعيها عنده؛ لأن إقدامهم عليها أشبه بالمعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها، فالعائل الفقير قد عدم المال، وإنما سبب
(1)
سورة هود، الآية:27.
(2)
سورة الأعراف، الآية:75.
(3)
انظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم 7، ص 2 - 4.
(4)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن والعطية وتنفيق السلع بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رقم 296، ص 59.