الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أهل الكوفة علياً على عثمان، وبه قال ابن خزيمة، والصحيح قول الجمهور تقديم عثمان؛ لهذا اختارته الصحابة للخلافة، وقدموه، وهم أعلم وأعرف بالمراتب"
(1)
. وفي قول البغدادي هذا اختلاف عن الترتيب الأول؛ فقد رتب الحاكم النيسابوري الصحابة حسب الأسبقية في الإسلام، ورتب البغدادي الصحابة حسب الفضل بينهم فيما يراه.
وقد ورد فضل الصحابة في القرآن الكريم والسنة النبوية في عدة مواضع ومناسبات سنذكر بعضاً منها:
أ) ما ورد في فضل الصحابة رضي الله عنهم من القرآن الكريم:
ليس هناك أدل ولا أوضح من بيان فضل الصحابة في القرآن الكريم، فقد وردت آيات عدة تبين فضلهم ومكانتهم، وسوف نذكر هنا بعضاً منها مع إيضاح ما ذكره المفسرون حول كل آية.
1 -
الآية الأولى: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
(2)
.
يقول الإمام الرازي في تفسير هذه الآية: "إنه تعالى ذكرهم هنا لبيان تعظيم شأنهم وعلو درجتهم، وأن الإعادة إعادة ذكرهم في الآية السابقة تدل على مزيد من الاهتمام بحالهم، وذلك يدل على الشرف والتعظيم"
(3)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات، النووي، 1/ 15.
(2)
سورة الأنفال، الآية:74.
(3)
التفسير الكبير، فخر الدين الرازي، المجلد الثامن، الجزء الخامس عشر، ص 169.
وقال الشيخ السعدي: "إن هذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم رضي الله عنهم (
(1)
، وفي قوله تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} يقول الإمام الشوكاني: "أي الكاملون في الإيمان"
(2)
، ويذكر الشيخ أبو بكر الجزائري:"أن هذين صنفا المهاجرين والأنصار، وهما أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة"
(3)
.
2 -
(4)
.
يقول ابن عاشور في هذه الآية: "إن (الذين هاجروا) هم المؤمنون من أهل مكة وما حولها الذين هاجروا منها إلى المدينة لما آذنهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليها بعد أن أسلموا وذلك قبل فتح مكة"
(5)
. وهذا بيان لفضل الصحابة بما أعد الله لهم من مكافآت وردت في الآية، ومنها قوله:{أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} "إشارة إلى رفعة قدرهم، رضا من الله، وتفضيلاً بالتشريف، كما أن قوله تعالى:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} معطوفة على {أَعْظَمُ دَرَجَةً} مبالغة في عظم
(1)
تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص 373.
(2)
فتح القدير، الشوكاني، 2/ 211.
(3)
أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، 2/ 333.
(4)
سورة التوبة، الآيات: 20 - 22.
(5)
التحرير والتنوير، ابن عاشور، المجلد الخامس، الجزء العاشر، ص 148.
فوزهم، حتى إن فوز غيرهم بالنسبة إلى فوزهم يعد كالمعدوم"
(1)
. وعند القرطبي "أن {أَعْظَمُ دَرَجَةً} أي: لهم المزية والمرتبة العلية"
(2)
.
3 -
(3)
.
يقول الشيخ أبو بكر الجزائري: "هم الذين سبقوا غيرهم إلى الإيمان والهجرة والنصرة والجهاد، والذين اتبعوهم في ذلك وأحسنوا أعمالهم موافقة لما شرع الله وبيَّنه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (
(4)
.
ولا خلاف بين أهل العلم في أن الآية تتحدث عن الصحابة، إلا أن الخلاف في من هم هؤلاء الصحابة، فقد قال ابن عباس:"إنهم هم الذين صلوا إلى القبلتين وشهدوا بدراً، وعن الشعبي: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان"
(5)
، وقال أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة: "هم الذين صلوا إلى القبلتين مع الرسول صلى الله عليه وسلم (
(6)
.
(1)
المرجع السابق.
(2)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثاني، المجلد الرابع، ص 321.
(3)
سورة التوبة، الآية:100.
(4)
أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ص 420.
(5)
التفسير الكبير، الرازي، المجلد الثامن، الجزء السادس عشر، ص 134.
(6)
تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 7/ 270.
وذكر الله تعالى رضاه عنهم في قوله: {رضي الله عنهم} "ولما وصفهم بهذا الوصف أثبت لهم ما يوجب التعظيم"
(1)
، "ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم والنعيم المقيم"
(2)
. وقال ابن خويز منداد: "تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة في علم أو دين أو شجاعة أو غير ذلك"
(3)
، فرضا الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء فيه بيان لفضلهم وتميزهم عن غيرهم.
4 -
الآية الرابعة: قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}
(4)
.
قال ابن عباس وسفيان: "هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه رضي الله عنهم (
(5)
، "فلما أمر الله تعالى في هذه الآية رسوله أن يقول:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} فقد عين له هذه الجملة ليقولها يسأل من الله أن يكرم عباده الذين اصطفى بالثناء عليهم في الملأ الأعلى وحسن الذكر؛ إذ قصارى ما يستطيعه الحاضر من جزاء الغائب على حسن صنيعه أن يبتهل إلى الله أن ينفعه بالكرامة"
(6)
. "وحقيقة الاصطفاء: افتعال من التصفية، فيكون قد صفاهم من الأكدار، ولا ينقض هذا بما إذا اختلفوا؛ لأن الحق لم يعدهم بألا يختلفوا، وهذا لا يخرجهم من
(1)
التفسير الكبير، الرازي، المجلد الثامن، الجزء السادس عشر، ص 135.
(2)
تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 7/ 270.
(3)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثاني، المجلد الرابع، ص 413.
(4)
سورة النمل، الآية:59.
(5)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثالث، المجلد السابع، ص 147.
(6)
التحرير والتنوير، ابن عاشور، المجلد الثامن، الجزء العشرون، ص 8.
حقيقة الاصطفاء"
(1)
. ويقول شيخ الإسلام: "إنه لا ريب أنهم أفضل المصطفين من هذه الأمة"
(2)
، وهذا أمر لا غرابة فيه بأن يصطفي الله عز وجل أفضل الأصحاب لأفضل الأنبياء وخاتمهم، يقول ابن جرير الطبري في الذين اصطفاهم:"هم الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم أصحابه ووزراءه"
(3)
.
5 -
الآية الخامسة: قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
(4)
.
تعددت الروايات في سبب نزول هذه الآية وفيمن نزلت، إلا أنها اتفقت على أن المقصود بها هو أحد الصحابة أو جميعهم، فلم تخرج من دائرة الصحابة وفضلهم، ففي البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر"
(5)
، وفي رواية:"وفي أشباهه"
(6)
. وعند مسلم: "وفي أصحابه"
(7)
. وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت في قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الآية: منهم طلحة بن عبيد الله، ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصيبت يده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(1)
إعلام الموقعين، ابن القيم، 5/ 568.
(2)
منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، 1/ 366.
(3)
جامع البيان، الطبري، 8/ 702.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:23.
(5)
صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} ، رقم 4783، ص 840.
(6)
المرجع السابق، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله عز وجل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} ، رقم 2805، ص 464.
(7)
صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، رقم 4918، ص 851.
(أوجب طلحة الجنة (
(1)
.
وفي الترمذي عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون هم على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلمَّا رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أين السائل عمن قضى نحبه؟ (قال الأعرابي: أنا يا رسول الله، قال: (هذا ممن قضى نحبه (
(2)
. ويقول القرطبي: "إن منهم حمزة وسعد بن معاذ وأنس بن النضر رضي الله عنهم وغيرهم"
(3)
.
وفي "المستدرك" للحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أُحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له ثم قرأ هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه (
(4)
.
(1)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 7/ 344.
(2)
جامع الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب تعيينه صلى الله عليه وسلم طلحة ممن قضى نحبه، رقم 3742، ص 850. حديث صحيح (الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد الأول، القسم الأول، رقم 125، ص 245).
(3)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 7/ 344.
(4)
المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، كتاب قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 3027، 2/ 365. حديث ضعيف، (الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة، المجلد الحادي عشر، القسم الأول، رقم 5221، ص 365).
وفيما سبق دليل على أن هذه الآية تعني بالذين {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} "أنهم الصحابة؛ منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل، ومنهم من ينتظر الشهادة، وما بدلوا عهدهم ونذرهم"
(1)
. وفي هذه الآية إشارة إلى وفائهم بعهدهم الذي عاهدوا الله أنهم لا يفارقون نبيه إلا بالموت، وفي الآية التي تليها قال تعالى:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ}
(2)
، "أي بصدق ما وعدهم في الدنيا والآخرة كما صدقوا مواعيدهم"
(3)
. ويقول الإمام الشوكاني: "إن معنى الآية: أن من المؤمنين رجالاً أدركوا أمنيتهم وقضوا حاجتهم ووفوا بنذرهم، فقاتلوا حتى قتلوا، وذلك يوم، أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} قضاء نحبه حتى يحضر أجله، كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وأمثالهم، فإنهم مستمرون على ما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال لعدوه، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل وإدراك فضل الشهادة، وجملة {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} معطوفة على صدقوا، أي: ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عليه"
(4)
. وفي هذه الآية ثناء على الصحابة وأنهم صدقوا العهد وثبتوا على ذلك حتى لقي الله منهم من لقي وبقي من بقي بعد ذلك إلى أن لقي الله فيما بعد حتى جازاهم الله بصدقهم.
(1)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 7/ 344.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:24.
(3)
التفسير الكبير، فخر الدين الرازي، المجلد الثالث عشر، الجزء الخامس والعشرون، ص 176.
(4)
فتح القدير، الشوكاني، 3/ 421 - 422.
6 -
(1)
.
في هذه الآيات يبين الله سبحانه وتعالى ثلاث مسائل تميز بها الصحابة من أهل بيعة الرضوان.
أولى هذه المسائل هو رضا الله سبحانه وتعالى عنهم والذي أخبر عنه بقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} ، "فيخبر تعالى بفضله ورحمته برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المبايعة التي بيضت وجوههم"
(2)
. {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} "يعني بيعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب وعلى ألا يفروا ولا يولوهم الدبر"
(3)
.
المسألة الثانية: تزكية الله سبحانه وتعالى لهم، وذلك بقوله:{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} ، "ففي ذلك تزكية من الله للمؤمنين بعلمه سبحانه لما في قلوبهم من الصدق والوفاء والسمع والطاعة والصبر والوقار"
(4)
.
ومن التزكية أيضاً تسميتهم المؤمنين في قوله: {عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} ، وهذا دليل على أن جميع من كانوا يوم بيعة الرضوان هم مؤمنون صادقون أوفياء صابرون. ولن يطلق عليهم المولى عز وجل هذه الصفة إلا أنهم بعلمه كذلك.
(1)
سورة الفتح، الآيتان: 18 - 19.
(2)
تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص 936.
(3)
جامع البيان، الطبري، 10/ 233.
(4)
تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 13/ 105.
المسألة الثالثة: هي مكافأتهم ومجازاتهم في الدنيا والآخرة، يقول الإمام الرازي: "إن فيه معنى لطيفاً هو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ}
(1)
، فجعل طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم علامة لإدخال الله الجنة بتلك الآية، وفي هذه الآية بيَّن أن طاعة الله والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان، أما طاعة الله فالإشارة إليها بقول:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} ، وأما طاعة الرسول فبقوله:{إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} . بقي الموعودية وهو إدخال الجنة، أشار إليه بقوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} ؛ لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة، كما قال تعالى:{وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رضي الله عنهم}
(2)
"
(3)
.
أما ثوابهم في الدنيا فقوله: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} ، فعن قتادة أنه عوضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها وفتحاً قريباً، وذلك فيما قيل:"فتح خيبر معه مغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود خيبر"
(4)
، وقد ورد ذلك في حديث مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه قال:"قسمت خيبر على أهل الحديبية"
(5)
، فجمع الله لهم الدنيا والآخرة.
(1)
سورة الفتح، الآية:17.
(2)
سورة المجادلة، الآية:22.
(3)
التفسير الكبير، الرازي، المجلد الرابع عشر، الجزء الثامن والعشرون، ص 82، (بتصرف).
(4)
جامع البيان، الطبري، 10/ 237.
(5)
سنن أبي داود، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في أرض خيبر، رقم 3015، ص 441. حديث ضعيف (الألباني، ضعيف سنن أبي داود، كتاب الجهاد، رقم 475، 2/ 357).
7 -
(1)
.
وصف الله سبحانه وتعالى في هذا الآية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم الذين معه بأوصاف عدة وهي الشدة على الكفار والرحمة بينهم وإقامة الصلاة للحصول على رحمته تعالى، كما أن لهم علامات في وجوههم من أثر السجود، وقد اختلف أهل التأويل في هذه العلامات؛ فمنهم من قال: إنها علامات يجعلها الله يوم القيامة في وجوه المؤمنين، وقال آخرون: إنها سيما الإسلام وسمته وخشوعه، وقال فريق ثالث: إنها آثار السجود في الجبهة وآثار السهر والتعب، وفريق رابع يرى: أنها آثار الأرض من الندى والتراب على الوجه من السجود
(2)
.
"أما فضلهم فقد تبين في هذه الآية في وعد الله عز وجل لهم ثواباً لا ينقطع وهو الجنة، وليس قوله:{مِنْهُمْ} مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم ولكنها
(1)
سورة الفتح، الآية:29.
(2)
انظر: جامع البيان، الطبري، 10/ 262 - 265.
عامة مجنسة
(1)
، وقد يخصص الصحابة بوعد المغفرة تفضيلاً لهم"
(2)
. ويقول الشيخ السعدي: "إن الله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية بأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار أنهم بأكمل الصفات وأجل الأحوال؛ فالصحابة رضي الله عنهم الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح قد جمع الله لهم بين المغفرة التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة والأجر العظيم في الدنيا والآخرة"
(3)
.
ب) ما رود في فضل الصحابة رضي الله عنهم من السنة النبوية:
لا تخلو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من ذكر لأحد الصحابة أو جميعهم سواء كانوا رواة لهذه السنة أو حضوراً أو وردت في شأنهم أحاديثها، ومن هنا فإن علاقة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بالسنة والحديث الشريف علاقة تلازم، فيكفيهم فضلاً أنهم هم من روى هذا الحديث ونقله إلى من بعدهم حتى وصل إلينا كما هو، وفي هذا المبحث سوف نذكر بعض الأحاديث التي تطرقت لفضل الصحابة
(1)
الجنس أعم من النوع، وهو كل ضرب من الشيء، ومن الناس، ومن الطير، و"منهم" في هذه الآية: يقصد بها الجنس، كقوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (الحج: 30)، لا يقصد للتبعيض، لكنه يذهب إلى الجنس، أي فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان؛ إذ كان الرجس يقع من أجناس شتى، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب، فأدخل "من" يفيد بها الجنس، وكذا "منهم" أي من هذا الجنس، يعني جنس الصحابة، ومن هذا أيضاً قوله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} (الإسراء: 82)، معناه: وننزل القرآن شفاء؛ لأن كل حرف منه يشفي، وليس الشفاء مختصاً به بعضه دون بعض. (انظر: تاج العروس، الزبيدي، 15/ 515، والجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثالث، المجلد الثامن، ص 436).
(2)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثالث، المجلد الثامن، ص 435 - 436.
(3)
تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص 938 - 939.
بشكل عام دون الأحاديث التي اختص بها أحد من الصحابة دون غيره، وذلك تجنباً للإطالة والابتعاد عن مضمون هذا البحث، وللتدليل على أهمية هذه الفئة من المسلمين في نقل هذه الرسالة والاعتماد عليهم في اتباع سيرتهم والاقتداء بهم، ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
1 -
الحديث الأول: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (
(1)
.
2 -
الحديث الثاني: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (
(2)
.
3 -
الحديث الثالث: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: (مازلتم ها هنا؟ (قلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء، فقال: (أحسنتم أو أصبتم (، قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعدون، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي
(1)
صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، رقم 3650، ص 612.
(2)
صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً خليلاً (، رقم 3673، ص 616.
أتى أمتي ما يوعدون (
(1)
.
4 -
الحديث الرابع: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة (
(2)
.
5 -
الحديث الخامس: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لهم: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم (. وقد تقدم ذكره في هذا الفصل في تعريف معنى الصحبة.
(1)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة، رقم 6466، ص 1109.
(2)
جامع الترمذي، أبواب المناقب، باب ما جاء في فضل من بايع تحت الشجرة، رقم 3860، ص 872. حديث صحيح (الألباني، صحيح الجامع، رقم 7680، 2/ 1271).