الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضابط الثاني: سلامة المنهج:
إن سلامة المنهج من الضوابط المهمة في مجال الدعوة بشكل عام؛ لذا يجب أن تكون جميع عناصر هذه الدعوة على الطريقة الصحيحة الشرعية والتي لا يشوبها شائب، ولا يدخل عليها عنصر فاسد؛ لأن ذلك قد يفسد العمل الدعوي بالكامل.
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم منهج سليم في الدعوة، وكان هذا سبباً في نجاح هذه الدعوة، ولم يؤثر واقع حياتهم في ذلك الوقت في منهجهم أو جعلهم يتنازلون عنه، فقد تمثلوا بأمر الله سبحانه وحذوا حذو رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، فلم يخرجوا عن قوله تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
(1)
. ويوضح الله بصيرة دعوة من اتبع الرسول في قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}
(2)
؛ فكان منهجهم رضي الله عنهم هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سلامة المنهج لديهم ما ذكر من قصة دعوة ضمام بن ثعلبة قومه، فكان أول ما نطق به الخروج من الشرك والبراءة من الأصنام، وذلك عندما قال لهم:"بئست اللات والعزى"، ثم أردف يشرح لهم ما هو الدين، فبدأ بذكر مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن ثم إسلامه وأخيراً قال لهم:"جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه"، فكان منهجه رضي الله عنه صافياً لم تشبه شائبة ولم يدخله أي أمر منكر، بل كانت دعوته مستمدة من تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم.
(1)
سورة البقرة، الآية:38.
(2)
سورة يوسف، الآية:108.
وكذلك في قصة إسلام طلحة بن عبيد الله عندما أرسلته قريش لأبي بكر رضي الله عنه ليرده عن الإسلام فقال له: أدعوك إلى عبادة اللات والعزى، فما كان من أبي بكر إلا أن قال: ومن اللات والعزى؟ فقال: هن بنات الله، قال أبو بكر: فمن أمهن؟ ففي هذا الأسلوب الذي أجاب به أبو بكر الصديق رضي الله عنه سلامة من الشرك وإيضاح حقائق ما يعبد من دون الله بالحجة السليمة، فلم يقبل أبو بكر رضي الله عنه أن يكون لله بنات، ورد على طلحة بن عبيد الله بمنهج عقلي سليم، وفيه التزام بمنهج الوحي في قوله تعالى:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}
(1)
.
وفي إسلام عمر رضي الله عنه مثال لسلامة المنهج وعدم التنازل عن شيء من أمور الدين، فهذه فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها أخت عمر رضي الله عنه عندما طلب منها الصحيفة التي فيها القرآن ليقرأها لم تعطه إياها بل قالت له: إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسه إلا المطهرون. فهي بذلك لم تتنازل عن أمر من أمور الدين بسبب إسلام أخيها، فكان منهجها واضحاً سليماً ورسالة لمن تدعوه.
ومن سلامة المنهج عدم موالاة المشركين ومحاباتهم من أجل الدعوة؛ فالإسلام كل لا يتجزأ ولا يؤخذ منه البعض ويترك البعض الآخر، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}
(2)
.
(1)
سورة الأنعام، الآية:101.
(2)
سورة البقرة، الآية:85.
ومن ذلك سلوك عمير بن وهب الجمحي عندما أسلم وأقام في مكة لم يوال المشركين بل أصبح يتبرأ من أعمالهم ويدعوهم إلى الإسلام، وأسلم على يديه خلق كثير، ولم يجد حرجاً من أن يظهر شعائر دينه على الملأ
(1)
.
ومن سلامة المنهج لدى الصحابة في دعوتهم أنهم لم يسمحوا للباطل أو يرضوه؛ فهذا الطفيل بن عمرو الدوسي يرفض الباطل الذي ذكرته له زوجته من تعرض ذي الشرى لها إذا هي اغتسلت بمائه ويأمرها بأن تغتسل.
وها هي أم سُليم لم تقبل أن تتزوج رجلاً مشركاً يعبد إلهاً مصنوعاً من شجرة حتى يسلم.
فلم يرضوا بالباطل للوصول إلى الحق ولم يتخذوه سبيلاً لهم، بل جعلوا الحق هو الطريق، قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}
(2)
.
كما كان من سلامة المنهج مراعاة الأولويات وذلك اقتداء بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم كما في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب (.
(1)
انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، 1/ 584.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:18.