الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان منهج الصحابة في الدعوة منهج علم وتعلُّم، ولم يكن منهج جهل وتخلُّف، فقد حصَّنوا أنفسهم بما تعلَّموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم، وقاموا بالدعوة، ولديهم ما يتسلَّحون به، ويردُّون به عن دين الله؛ فكان حرياً بمن اتبعهم أن يتبع منهجهم رضي الله عنهم.
الفائدة الخامسة: المثابرة على الدعوة والصبر عليها وعدم استعجال النتائج:
إن المثابرة والإصرار من سمات الشخص الناجح الذي يسعى لأن يصل إلى هدفه، وهذه السمة من الأولى أن تتوفر في الداعية؛ لأن عمله من أشرف الأعمال وأفضلها، وهدفه من أسمى الأهداف وأرقاها، وهو دليل على الإخلاص من قبل الدعاة، ولأن طريق الدعوة محفوف بالعقبات والعوائق فإنه مطلوب من الداعية عدم الاستسلام، ولنا في ذلك قدوة ألا وهم الأنبياء عليهم السلام، فهم سادة الدعوة وأئمتها، فقد دعا نوح عليه السلام قومه تسعمائة وخمسين عاماً، ولم يؤمن معه إلا قليل، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}
(1)
، وقال تعالى:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}
(2)
. فلم يكن قلة من استجاب له سبباً في تخليه عن الدعوة وتركه لها، بل استمر كل هذه المدة يدعو مع ما يلقى من صد واستهزاء وتعذيب له ولمن معه، ولم يستسلم. وقد ثابر الرسول صلى الله عليه وسلم على الدعوة ولم يتوان ولم يتهاون حتى نشر الله الإسلام على يديه صلى الله عليه وسلم، ويدي أصحابه رضي الله عنهم، الذين ساروا على سيرته وهديه؛ فقد ثابر الطفيل بن عمرو الدوسي على دعوة قومه دوس، وقد تأخروا في الإسلام إلا أن
(1)
سورة العنكبوت، الآية:14.
(2)
سورة هود، الآية:40.
ذلك لم يثنه عن دعوته وبقائه بينهم، ومثابرة مصعب بن عمير على دعوة أمه، وهي ترده وتؤذيه، وقد أوذي الصحابة رضي الله عنهم في أنفسهم وفي أهليهم وأموالهم، إلا أن ذلك لم يثنهم عن الدعوة. والابتلاء على الحق موجود منذ أن خلق الله آدم، قال تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}
(1)
،
فهذه سنة الله في خلقه ليمحِّص الحق، يقول الشيخ السعدي:"سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل، ونحو ذلك من الفتن"
(2)
.
فلم يكن الصدُّ عن سبيل الله ومقاومة الدعوة عند الصحابة إلا سبباً في الإصرار والمثابرة والعزيمة على أن يبلِّغوا دين الله.
كما أن الاستعجال على النتائج لم يكن من المنهج الصحيح، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"كان الرجل فيمن قبلكم يُحفَر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقُّ باثنتين وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويُمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتِمَّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"
(3)
.
(1)
سورة العنكبوت، الآية: 2 ..
(2)
تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص 734.
(3)
صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم 3612، ص 606.