الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم ينتظر هذا الأعرابي الأمر بالدعوة، ولم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ففي ذلك بيان بأن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم بقدر استطاعته ومقدرته، وقد وضع الدكتور فضل إلهي بعض التنبيهات لعامة المسلمين عند الدعوة وخصوصاً غير المتخصصين في ذلك وهي كالآتي
(1)
:
أ) التنبيه الأول: قيام عامة الناس بالدعوة الخاصة دون غيرها، وهي ما يوجَّه الخطاب فيها إلى شخص واحد أو إلى فئة قليلة من الناس، وليست اجتماعاً بالمعنى المفهوم.
ب) التنبيه الثاني: ضرورة حصر عامة الناس دعوتهم في نطاق الأمور الواضحة.
جـ) التنبيه الثالث: ضرورة بقاء الداعي في دائرة علمه؛ فلا يقول شيئاً إلا هو عالم به.
الفائدة الثانية: أن كل شخص لديه جوانب قوة في حياته يجب عليه توظيفها في مجال الدعوة إلى الله
.
المقصود بجوانب القوة لدى الأشخاص هي الجوانب التي لها القدرة على التأثير في المدعوين للحصول على استجابتهم، وتغيير دينهم إلى الدين الإسلامي، ولكل شخص جانب أو أكثر من هذه الجوانب سواء علمه أم لم يعلمه، إلا أن البحث في النفس قد يظهر للداعية أموراً من نفسه يستطيع أن يستخدمها في الدعوة، ويكون لها الأثر الكبير عند المدعو، ولا يختص بالجوانب هذه أشخاص
(1)
انظر: ركائز الدعوة إلى الله، فضل إلهي، ص 47 - 50.
دون آخرين، فكل إنسان لديه ما يتميز به عن غيره، حتى ولو احتقرنا ذلك الشخص، فليس كل ما ظهر منه يعبِّر عن كل ما عنده من إمكانات.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم عدم دقة الحكم بالظاهر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"
(1)
، وهذا بيان قوة ذلك الشخص المسكين الضعيف؛ لأن القوة لا تكون إلا بالله.
فهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه رجل ضعيف الجسم، وليس له عشيرة يمنعونه، يقرأ القرآن عند المقام في الضحى على مسامع قريش، ولم يثنه ضعف جسمه، وعدم وجود عشيرته من الدعوة، فهو قوي بعزيمته ونفسه، وقد علم ذلك من نفسه فاستثمره في إسماع المشركين القرآن، فكان أول رجل جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون الجانب القوي في شخصية الداعي هو أضعف ما فيه، كما حصل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقبول دعوة أخته فاطمة رضي الله عنها، وذلك عندما لطمها وأدماها، فأوجد ذلك لديها قوة مواجهة لأخيها، وإعلان إسلامها أمامه، ورفضها إعطاءه الصحيفة لأنه مشرك، مما أخضعه لسماع قولها، واتباع أمرها، ودخوله في الإسلام بسببها. وأيضاً أم سليم عندما جعلت أبا طلحة رضي الله عنهما يسلم، وذلك أنها علمت أن لديها موقف قوة وهو حاجة أبي طلحة للزواج منها، فقرنت زواجها بإسلامه، فأسلم لذلك رضي الله عنهما.
(1)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب فضل الضعفاء والخاملين، رقم 6682، ص 1144.