الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتوافق أفعال الصحابة مع الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وطلب أم حكيم الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها عكرمة بن أبي جهل وأدركته وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر فجعل نوتي
(1)
السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل: لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام فجعلت تلح إليه وتقول: يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأنت فعلت؟ قالت: نعم، أنا كلمته فأمنك فرجع معها
(2)
. فكان في طلب أم حكيم الأمان له ودعوتها إياه سبباً في إسلامه رضي الله عنهما.
د) الشاهد الرابع: الدعوة قبل القتال:
ومنه دعوة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبد ود عند النزال في غزوة الخندق وذلك عندما اقتحم عمرو بن عبد ود الخندق هو وبعض فرسان قريش وأخذ يدعو للمبارزة فبرز له علي بن أبي طالب فقال له: يا عمرو، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، قال له: أجل، قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى النزال، فقال له: لِمَ يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك، قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على
(1)
النواتي: الملاحون في البحر خاصة واحدهم نوتي. (انظر: الصحاح، الجوهري، حرف النون، ص 1176).
(2)
انظر: المغازي، الواقدي، ص 572.
علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه
(1)
.
وهنا نجد أن دعوة علي بن أبي طالب رضي الله عنه المشرك عمرو بن عبد ود للإسلام قبل المبارزة قد وافقت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له يوم خيبر، وإن أتت بعدها، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه (، فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجو أن يُعطى فقال: (أين علي؟ (فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعي له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه، حتى كأنه لم يكن له شيء، فقال علي: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم (
(2)
. فتقديم الدعوة على القتال والحرص على إسلامهم هو الغاية، فإن حصل ذلك من دون قتال كان فيه خير كثير، يقول ابن حجر في ذلك:"إنه استدل بقوله: "ادعهم" أن الدعوة شرط في جواز القتال، والخلاف في ذلك مشهور"
(3)
،
وكانت جيوش المسلمين إذا توجهت إلى قتال تدعو من يقاتلونهم إلى إحدى ثلاث خصال، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يكتب إلى أهل فارس يدعوهم إلى الإسلام ويخيرهم بين الإسلام أو الجزية أو القتال، وكتابه الآخر إلى هرمز بالثغر بنفس المضمون، وكتابه أيضاً إلى مرازبة فارس وجميعها
(1)
انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 193.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، رقم 2942، ص 487.
(3)
فتح الباري، ابن حجر، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم 4210، 8/ 4822 ..
وردت سابقاً، وأيضاً دعوة سلمان الفارسي لأهل بهرسير ويقال نهرشير عندما أمروه بدعاء أهلها، فكان دعاؤه إياهم أن يقول: إني منكم في الأصل، وأنا أرق لكم، ولكم في ثلاث أدعوكم إليها ما يصلحكم: أن تسلموا فإخواننا ولكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإلا فالجزية، وإلا نابذناكم على سواء، وقد أمهلهم ثلاثاً، وبعد انقضاء المدة قاتلهم المسلمون وفتحوها، وكان نفس الحال مع أهل القصر الأبيض إلا أنهم اختاروا الجزية ودخلها المسلمون بالصلح
(1)
.
وفي هذه الحالات يرسم حديث بريدة رضي الله عنه المنهج للمسلمين، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: (اغزُ باسم الله في سبيل الله
…
، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم .. ، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين
…
(
(2)
. وقد طبق أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذه الوصية عندما بعث الجنود نحو الشام وأمَّر يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهم فأوصاهم بنفس وصية الرسول صلى الله عليه وسلم
(3)
. وهذا دليل على أن الصحابة إنما يقتبسون من مشكاة النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون على ضوئها.
(1)
انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري، 2/ 463.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب تأمير الإمام الأمراء، رقم 4522، ص 768.
(3)
انظر: السنن الكبرى، البيهقي، كتاب السير، جماع أبواب السير، باب من اختار الكف عن التقطيع والتجريح، رقم 18181، 9/ 283.