الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوجوب الدعوة على الداعية يجعلها من حق المدعو سواء قبلها أم رفضها، فهذا أبو عامر رضي الله عنه يوم أوطاس لقي عشرة إخوة من المشركين فحملوا عليه واحداً تلو الآخر، وحمل عليهم فكان يدعو من يقاتله منهم ويؤدي حقه له قبل أن يقاتله، فكان كلما دعا أحدهم إلى الإسلام ولم يستجب يقول: اللهم اشهد عليه، حتى قتل تسعة منهم، أما العاشر فعندما قال أبو عامر: اللهم اشهد عليه، قال الرجل: اللهم لا تشهد عليَّ، فكف عنه أبو عامر، فأفلت وأسلم وحسن إسلامه، وقد أدَّى أبو عامر رضي الله عنه حق المدعوين حتى أنجى الله بسببه أحدهم.
وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الخندق عندما أدَّى حق عمرو بن عبد وِدٍّ وذلك في دعوته إلى الإسلام قبل قتاله. فهذا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو عليه، وأوصى به صحابته ودعاته، فقد أوصى معاذاً رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن بأن يدعوهم، وأوصى علياً رضي الله عنه يوم خيبر أن يدعوهم وغيرهم، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر قادة الجيوش إلى الشام في وصيته المشهورة أن يؤدوا حق المدعوين بقوله:"فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال"
(1)
، فلم يفرط الصحابة في هذا الحق لمن يدعونهم إلى الإسلام.
ثانياً: إتيان المدعو في مكانه:
كما ذكرنا سابقاً إن من واجبات الداعي الذهاب إلى المدعوين وقصدهم بالدعوة، فللمدعو حق أن يؤتى في مكانه، أي أن يذهب الداعية إليه ولا ينتظر
(1)
السنن الكبرى، البيهقي، كتاب السير، باب فضل الجهاد في سبيل الله، رقم 1850، 9/ 270.
مجيئه، بل عليه البلاغ وإيصال الدعوة له؛ لأن الداعية يدرك هذا الحق أكثر من المدعو، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الناس في أماكنهم ويعرض نفسه على القبائل، فلم ينتظرهم في مكان، وهذا ما قام به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فها هو مصعب بن عمير رضي الله عنه يذهب إلى أهل يثرب ليدعوهم ويعلمهم الإسلام، وهذا عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه يذهب إلى جهينة فيدعوهم وهم في مكانهم، وها هو خالد بن الوليد رضي الله عنه يرسل رسله إلى أهل فارس ليدعوهم في دارهم ولم ينتظر منهم أن يأتوه هم. ولا يقف إتيان المدعو في مكانه بأن يأتيه بنفسه، فإن إرسال الرسائل تقوم مقام الشخص، فهذا بجير بن زهير بن أبي سلمى رضي الله عنه يرسل كتاباً إلى أخيه كعب بعد أن أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه فيقول فيها:"اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل" فأسلم كعب رضي الله عنهم أجمعين. وهذه طبيعة الدعوة أنها تبليغ رسالة من المُرسِل إلى المُرسَل إليه، "ولا يتم تبليغ الرسالة إلا بحركة المبلغ وانتقاله إلى المرسل إليه"
(1)
، وفي ذلك إقامة للحجة بين الناس، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}
(2)
، كما أنه سبحانه لم يأمر رسله عليهم السلام أن يبقوا في مكان واحد ينتظرون من يأتيهم بل أمرهم بالتنقل والذهاب إلى المدعوين، قال تعالى لموسى عليه السلام:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ}
(3)
،
فأمره بالذهاب وهو الانتقال من مكان إلى آخر، وقال تعالى
(1)
الدعوة والإصلاح، محمد بشير حداد، ص 204.
(2)
سورة الإسراء، الآية:15.
(3)
سورة طه، الآية: 24 ..