الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوضح الله سبحانه وتعالى أثر اللطف واللين في تأليف قلوب الناس، قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
(1)
، ففي هذه الآية بيان أنَّ اللين واللطف هو من الرحمة التي أعطاها الله العباد، وأن ذلك سبب في التفاف الناس حول الدين، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"
(2)
. وقال صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يحرم الخير"
(3)
، فربط الرفق بالخير، وأي خير كاستجابة المدعو لدعوة الداعي.
وهنا نجد أن الصحابة استخدموا اللين والرفق في الدعوة؛ ليبينوا أن الإسلام دين رفق ولين ولطف، فقد وضح ذلك في مواقف كثيرة منها موقف مصعب بن عمير عندما أتاه أسيد بن الحضير حاملاً حربته متشتماً فما كان من مصعب رضي الله عنه إلا أن ألان له القول وقال له:"أو تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمراً قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره"، فكان لردة فعل مصعب تأثير على أسيد رضي الله عنه، وفيها بيان أن هذا الدين يدعو إلى الرفق واللين وحسن الخطاب وعدم الشدة والقسوة.
2 - الرحمة في دعوة الصحابة رضي الله عنهم
-:
في الرحمة مراعاة لحاجات النفس البشرية واستمالتها، وذلك حتى لا تنفر عن الخير وتبتعد عنه، ومن أخلاق هذا الدين الرحمة التي يدعو إليها، فقد
(1)
سورة آل عمران، الآية:159.
(2)
صحيح مسلم كتاب البر والصلة، باب الرفق، رقم 602، ص 1133.
(3)
المرجع السابق، رقم 6598، ص 1132.
قال صلى الله عليه وسلم: "ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء"
(1)
، وقد رغَّب في الرحمة فجعل لها فضلاً كبيراً، كيف ونبي هذه الأمة هو نبي الرحمة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
(2)
، فأمر أصحابه بالرحمة بالعباد كما أمرهم برحمة البهائم وذلك في مواقف متعددة، ولا يوجد دين يأمر أتباعه بالرحمة ويحثهم عليها ويرغِّبهم بالتخلق بها والتعامل بينهم على أساسها كما وجد في الإسلام، كما حذر من القسوة وعدم الرحمة بجميع المخلوقات بشراً كانوا أو من البهائم، مؤمنين أو كفاراً، فنهى عن التمثيل والضرب والتعذيب والترويع.
وقد حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجعلوا للرحمة موضعاً في دعوتهم سواء بالدعوة إليها أو الدعوة بها والتحلي بها، فقد رحم أبو ذر رضي الله عنه حويطب بن عبدالعزى وأظهر له الرحمة في إجارته وإجارة أبنائه يوم فتح مكة وأمَّنهم حتى اجتمعوا؛ مما كان له أثر في إسلام حويطب رضي الله عنه، وكذلك رحمة الحارث بن مسلم التميمي للقوم الذين كادوا أن يكونوا غنيمة له ولأصحابه إلا أنه دعاهم إلى "لا إله إلا الله" لكي يعصموا دماءهم ويدخلوا في الإسلام ولا يراق لهم دم ففعلوا ونجوا من القتل والسبي في الدنيا ومن عذاب النار في الآخرة.
ولو تتبعنا قصص الصحابة لوجدناها تزخر بمواضيع الرحمة وما يتعلق بها من رحمة الأب بابنه والابن بوالده والقريب بقريبه والصديق بصديقه والمسلم بالمشرك
(1)
سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم 4941، ص 696. حديث صحيح (الألباني، صحيح سنن أبي داود، رقم 4941، 3/ 212).
(2)
سورة الأنبياء، الآية:107.