الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وسيرته، وسوف نتحدث عن كل نوع على حدة، وما أساليب الترغيب التي استخدمها الصحابة رضي الله عنهم في دعوتهم للمشركين.
أ) الترغيب بخير الدنيا:
النفس البشرية تواقة إلى الحصول على كل ما في الدنيا من خير، وهذا دافع لها لاتخاذ السبل الموصلة إلى هذه الخيرات، وقد قال الله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
(1)
(2)
، والله سبحانه وتعالى هو خالق البشر، وأعلم بهم، وبما تتوق له أنفسهم في هذه الدنيا؛ لذلك جعل لهم مقابل كثير من الأعمال مكافآت دنيوية كالوعد بالحياة الطيبة في قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}
(3)
، كما رغبهم في شكر النعم بأن فيها زيادة، قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}
(4)
، وزيادة الأموال والأبناء والخيرات مقابل الاستغفار، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
(1)
سورة الكهف، الآية:46.
(2)
سورة آل عمران، الآية:14.
(3)
سورة النحل، الآية:97.
(4)
سورة إبراهيم، الآية:7.
أَنْهَارًا}
(1)
.
وأيضاً ما ورد في السيرة من أن مشركي قريش عندما طلبوا من أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكلم لهم ابن أخيه ليكف عنهم ويكفوا عنه، فأرسل إليه أبو طالب وهم حضور فتكلموا حتى فرغوا فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (إن أعطيتكم ما سألتم أمعطيَّ أنتم كلمة واحدة لكم فيها خير تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم (، فقال أبو جهل وهو مستهزئ: نعم لله أبوك كلمة نعطيكها وعشرة أمثالها، فقال: قولوا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له (
(2)
، فقد رغبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الإسلام مقابل ملك العرب ورضوخ العجم لهم.
وصور ترغيب الصحابة للمشركين عدة منها ما يأتي:
(1)
تأمين أبي ذر الغفاري رضي الله عنه لحويطب بن عبدالعزى في فتح مكة، وذلك عندما هرب حويطب من أبي ذر لما رآه، فقال له أبو ذر: يا أبا محمد، لا خوف عليك، أنت آمن بأمان الله عز وجل، فكان ذلك سبباً في إسلام حويطب على يد أبي ذر رضي الله عنهما، وهنا رغب أبو ذر الغفاري حويطباً بالأمان في الدنيا، وأنه لن يقتل ولن يتعرض له أحد لعلمه أن حويطباً محتاجٌ لذلك الأمان، وراغبٌ فيه، فكان ذلك أسلوبه في دعوة حويطب، كما رغبه أيضاً في موقف لاحق بقوله له: فاتك خير كثير وبقي خير كثير.
(1)
سورة نوح، الآيات: 10 - 12.
(2)
السيرة النبوية، ابن إسحاق، ص 267.
فالترغيب في الخير الباقي له معنى في نفس حويطب بأنه سوف يحصل عليه ما إن يسلم، وقد حصل له ذلك بعد غزوة حنين؛ فقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير
(1)
.
(2)
الوليد بن الوليد رضي الله عنه يستخدم أسلوب الترغيب مع أخيه خالد بن الوليد، وذلك عندما أرسل إليه كتاباً يدعوه فيه، فذكر له فيه سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عنه وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو كان جعل نكايته وجدَّه مع المسلمين كان خيراً له، ولقدمناه على غيره"، فذكر الوليد لهذا القول وإرساله به إلى أخيه خالد بن الوليد فيه ترغيب دنيوي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لقدمناه على غيره"، ولأن النفس البشرية تحب التقدير والتقديم وخصوصاً أمام الناس، فكان في ذلك ترغيب له بما سيكون عليه وضعه في الدنيا بين المسلمين وأنه لن يكون مهمشاً، وقد أسلم خالد رضي الله عنه وكان كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فقد أرسله في عدة سرايا وقدمه على كثير من المسلمين وسماه "سيف الله"
(2)
.
(3)
عندما أسلم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى قومه ليدعوهم فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما أتى قومه كان أول ما قال لهم هو ترغيبهم في الإسلام بما فيه من فضائل في الدنيا، فقد قال لهم فيما قال: (وآمركم بحقن الدماء وصلة الأرحام (، وهاتان الخصلتان
(1)
انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري، 2/ 175؟
(2)
انظر: المغازي، الواقدي، ص 590.
يحبهما العرب، ويفضلونهما بسبب ما عانوه من الحروب وقطع الأرحام، فخاطبهم بها ورغبهم فيها لمعرفته بقومه وما يثير عواطفهم، خصوصاً وأنه هو ابن سادن لصنم كان يعبده قومه، ففي هذا أيضاً ترغيب ضمني لكون ابن السادن يترك دين أبيه الذي له مكانة ووجاهة اجتماعية، بالإضافة إلى القرابين التي تدخل إلى بيت مال ذلك الصنم، فيرفض كل ذلك ويتبع ديناً غير دينه، إلا أن فيه ما هو أفضل، وقد تبعه قومه ولم يتخلف عنهم إلا رجل واحد.
(4)
يرغب بجير بن زهير بن أبي سلمى أخاه كعباً في الإسلام عن طريق ترغيبه في الحياة والنجاة من القتل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم كعب بن زهير، فقال صلى الله عليه وسلم:"من لقي كعباً فليقتله"، وذلك بسبب أبيات قالها في رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أسلم أخوه بجير، فبعد إهدار دمه أرسل بجير رسالة إلى أخيه كعب يرغبه في الإسلام بواسطة ترغيبه في الحياة فيقول في رسالته: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي فأسلم وأقبل. فإيضاحه أن الرسول يقبل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيه ترغيب لأخيه بالنجاة والسلامة من القتل، فكان له ذلك فأسلم وقال قصيدته المشهورة في رسول الله والتي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
متيم إثرها لم يفد مكبول