الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الوسائل الأخلاقية التي استخدمها الصحابة كوسيلة كان لها الأثر الكبير والسريع في نفوس المدعوين مما دفعهم لاعتناق الإسلام دون تردد، وهنا سوف نتكلم عن كل وسيلة على حدة.
أولاً: الإيثار على النفس:
"الإيثار هو تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ من قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة"
(1)
، يقول شيخ الإسلام في تفسيره لقول الله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
(2)
: "أما الإيثار مع الخصاصة فهو أكمل من مجرد التصدق مع المحبة"
(3)
، وذلك إشارة إلى قوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
(4)
.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤثرين على أنفسهم وذلك في مواقف كثيرة منها ما ذكره البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال:"نعم"، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثالث، المجلد التاسع، ص 215.
(2)
سورة الحشر، الآية:9.
(3)
منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، 4/ 174.
(4)
سورة آل عمران، الآية:92.
لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجاً إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئاً فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها
(1)
.
وقد اكتسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيثار منه واتبعوه في ذلك، وكان لإيثارهم في الدعوة إلى الإسلام أثر وفائدة، فهذه أم سليم تؤثر إسلام أبي طلحة على متعة الدنيا وهي زواجها منه، بل جعلت إسلامه هو مهرها منه، وكذلك قصة الحارث بن مسلم التميمي عندما أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، قال: فلما بلغنا المغار
(2)
استحثثت فرسي فسبقت أصحابي وتلقانا الحي بالرنين
(3)
فقلت لهم: قولوا: لا إله إلا الله تحرزوا، فقالوها، فلامني أصحابي فقالوا: حرمتنا الغنيمة، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه بالذي صنعت فدعاني فحسَّن لي ما صنعت وقال:"أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا وكذا"
(4)
.
ويقسم ابن القيم رحمه الله درجات الإيثار إلى ثلاث درجات منها: "إيثار رضا الله على رضا غيره، وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطول
(1)
صحيح البخاري، كتاب الآداب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، رقم 6036، ص 1054.
(2)
المغار: موضع الغارة أو هي الإغارة نفسها.
(3)
الرنين: الصوت.
(4)
سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، رقم 5080، ص 714. حديث ضعيف (الألباني، ضعيف سنن أبي داود، رقم 5080، ص 415).