الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فأني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك، ومثل الإسلام جهله أحد؟! وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك. فقال: (أين خالد؟ (فقلت: يأتي الله به، فقال: (ما مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له ولقدمناه على غيره (، فاستدرك يا أخي ما فاتك فقد فاتتك مواطن صالحة"، يقول خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرني ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وبهذا فإن إحساس الوليد رضي الله عنه بثقة أخيه فيه أدت إلى كتابة هذا الكتاب له، مما كان له أثر في إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهنا نجد أن القرابة كان لها دور في تعزيز الثقة بين المدعو والداعي، وذلك ما عرفه الصحابة رضي الله عنهم وأدى إلى دعوة أهليهم وأقاربهم.
د) توظيف عمل المعروف في الدعوة:
عمل المعروف عند العرب له قيمة كبيرة مما يوجب رد هذا الجميل عاجلاً أم آجلاً، وقد قال أبو الفتح البستي في قصيدة له طويلة هذا البيت:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
…
فطالما استعبد الإنسان إحسان
(2)
كما أن من المعروف المعاملة الحسنة والرد على الإساءة بالإحسان والوجه الحسن وغيرها مما يتسبب في كسب قلوب الآخرين وميلهم إلى الداعي والاستماع منه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع المعروف، ففي قصة بدء الوحي عندما رجع إلى
(1)
انظر: المغازي، الواقدي، ص 508 - 509.
(2)
جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، أحمد بن إبراهيم الهاشمي، ص 762.
خديجة رضي الله عنها فقال لها: (زملوني زملوني (، ثم أخبرها الخبر، فقالت له:"كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"
(1)
، فالأوصاف التي ذكرتها أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها جميعها من صنائع المعروف، ومن هذا كان صلى الله عليه وسلم قدوة لأصحابه الذين ساروا على نهجه، وقد علم الصحابة رضي الله عنهم أن عمل المعروف لا يضيع عند العرب، فأرادوا أن يستخدموه في أمور تخدم الإسلام، وتنجي الناس من النار.
ومن ذلك قصة إسلام حويطب بن عبدالعزى على يد أبي ذر رضي الله عنهما عندما أمَّنه أبو ذر وأمَّن عياله من القتل يوم الفتح، وبلَّغه منزله، ثم عاد إليه أبو ذر فقال له: حتى متى وإلى متى؟ قد سُبقت في المواطن كلها وفاتك خير كثير، وبقي خير كثير، فَأْتِ رسول الله وأسلِم تسلم، فأسلم حويطب بدعوة أبي ذر.
وهنا نجد أن أبا ذر رضي الله عنه قد عمل معروفاً في حويطب بن عبدالعزى رضي الله عنه فكان ذلك سبباً في عرض الإسلام عليه ودعوته له؛ لأن المدعو هنا لديه إحساس أن عليه أن يستمع إلى الداعي رداً للجميل، فاستشعر أبو ذر رضي الله عنه ذلك فدعا حويطباً إلى الإسلام مما كان له أثر في الاستجابة.
(1)
صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الله جل ذكره:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} ، رقم 3، ص 1.