الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعلة من النار وتظل مضيئة ويتعهدها "الموابذة"
(1)
و"الهرابذة"
(2)
ويقدمون لها الوقود خمس مرات في اليوم"
(3)
.
"والزرادشتية ديانة حية ينتشر أتباعها الذين يبلغون قرابة ثلاثمائة ألف أو أكثر في أكثر من بقعة من العالم"
(4)
.
رابعاً: الدهريون:
الدهريون أو الدهرية هم ملة قديمة من مشركي العرب، وهم من قال الله تعالى عنهم:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}
(5)
. وهم ينكرون وجود إله يتحكم بالكون والحياة والممات، ويقول الطبري في تفسير هذه الآية:"إنهم ينكرون أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم"
(6)
، ويقول الشهرستاني: "إن الدهريين هم صنف من معطلة العرب الذين أنكروا الخالق والبعث والإعادة .. وقالوا بالطبع المحيي، والدهر
(1)
الموبذ: القاضي، والموبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين. (انظر: لسان العرب، ابن منظور، مادة: موبذ، 3/ 511).
(2)
الهربذ بالكسر: واحد الهرابذة المجوس، وهم قومة بيت النار، وقيل: عظماء الهند أو علماؤهم. (انظر: لسان العرب، ابن منظور، مادة: هربذ، 3/ 517).
(3)
أطلس الأديان، سامي المغلوث، ص 600.
(4)
موسوعة الأديان الميسرة، مجموعة من المؤلفين، ص 280.
(5)
سورة الجاثية، الآية:24.
(6)
جامع البيان، الطبري، 10/ 137.
المفني"
(1)
، فنسبوا الحياة إلى الطبع المحسوس وأنه هو الذي يوفر الحياة للبشر، وأن الدهر هو من يفني، ويقول الرازي:"إنهم يقولون إن تولُّد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاج الطباع، وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة، وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت، فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك"
(2)
.
وهؤلاء الدهريون هم من يسميهم شيخ الإسلام بالفلاسفة الدهرية الذين يزعمون أن السموات أزلية قديمة لم تزل، وأن الله لا يفعل شيئاً بمشيئته، ولا يجيب دعاء الداعي، بل ولا يعلم الجزئيات ولا يعرف هذا الداعي من هذا الداعي، ولا يعرف إبراهيم من موسى من محمد وغيرهم بأعيانهم من رسله، بل منهم من ينكر علمه مطلقاً، ومنهم من يقول إنه يعلم الكليات كابن سينا وأمثاله
(3)
.
ويبين هنا شيخ الإسلام أن الدهرية هم من العرب، وقد وافقوا أقوال الفلاسفة اليونان وغيرهم من الأمم الأخرى، وقد أثر ذلك فيمن دخل علم الفلسفة من المسلمين مثل ابن سينا، مما جعله يقول قولهم ويحيد عن جادة الصواب. وعن تلاعب الشيطان بهؤلاء الدهرية، يقول ابن القيم: "هؤلاء قوم عطلوا المصنوعات عن صانعها، وقالوا ما حكاه الله عنهم:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ، وهؤلاء فرقتان: فرقة قالت:
(1)
الملل والنحل، الشهرستاني، القسم الثاني، الجزء الثالث، ص 215.
(2)
التفسير الكبير، الرازي، المجلد الرابع عشر، الجزء السابع والعشرون، ص 231.
(3)
انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، ابن تيمية، 1/ 353.
إن الخالق سبحانه لما خلق الأفلاك متحركة أعظم حركة دارت عليه فأحرقته ولم يقدر على ضبطها وإمساك حركتها، والفرقة الأخرى قالت: إن الأشياء ليس لها أول البتة، وإنما تخرج من القوة إلى الفعل، فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل تكونت الأشياء مركباتها وبسائطها من ذاتها لا من شيء آخر"
(1)
. وأفكار الدهريين هذه وعقيدتهم قديمة وإن كانت في العصور المتأخرة تحت اسم الإلحاد، وفي ذلك يقول الدكتور عبدالرحيم المغذوي:"ليس الإلحاد وليد العصر الحاضر، وإنما هو من مخلفات أهل القرون الماضية"
(2)
. والدهريون هم الملاحدة في هذا العصر وإن اختلفت التسمية، فلو نظرنا إلى تعريف الدهرية وقارناه بتعريف الملاحدة لوجدناها بنفس المعنى، فالدهرية في موسوعة الأديان هي من فرق أهل الغلو نفوا الربوبية وجحدوا الصانع المدبر العالم القادر وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه لا بصانع، ولم يزل الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، وكذلك كان وكذلك يكون، والدهريون ينكرون البعث والحساب ويردون كل شيء إلى فعل الأفلاك ولا يعرفون الخير ولا الشر وإنما المنفعة واللذة
(3)
.
أما تعريف مصطلح الإلحاد "فهو إنكار وجود الإله، وهو مصطلح متعلق بمفهوم اللاأدرية الذي يعتقد استحالة معرفة شيء عن طبيعة الخالق أو ما ليس مادياً"
(4)
.
(1)
إغاثة اللهفان، ابن القيم، ص 498 - 499.
(2)
الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، 2/ 640.
(3)
انظر: موسوعة الأديان الميسرة، مجموعة من المؤلفين، ص 248.
(4)
معجم الأفكار والأعلام، هتشنسون، ترجمة: خليل راشد الجيوسي، ص 41.
ومن هذه التعاريف نجد التوافق في إنكار الخالق عز وجل وإنكار البعث، والاتفاق على أن الكون هو من يسيِّر نفسه ويخلق نفسه دون تدخل من الله سبحانه وتعالى؛ فالدهريون في السابق هم الملاحدة في العصور الحديثة والذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في سورة الحج.
وفي نهاية هذا الفصل، وبعد أن تطرقنا إلى مفهوم الصحابة رضي الله عنهم، وذكر مكانتهم وفضلهم من الكتاب والسنة، بالإضافة إلى معنى الشرك، والمشركين، والأصناف التي تنسب إلى الشرك من الأديان الوضعية، كالوثنيين والصابئة والمجوس والدهريين، وذكر موجز عن كل نوع على حدة، فإن ذلك يُعد تمهيداً لما سيأتي من فصول نتكلم بها عن تفاصيل منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب وما يتعلق بها.