الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا شيخ من جهينة يرد على عمرو بن مرة الجهني عندما دعاهم إلى الإسلام يقول
(1)
:
إن ابن مرة قد أتى بمقالة
…
ليست مقالة من يريد صلاحاً
أني لأحسب قوله وفعاله
…
يوماً وإن طال الزمان رياحاً
أيسفه الأشياخ ممن قد مضى
…
من رام ذلك لا أصاب فلاحاً
فقد جعل مخالفة أسلافهم تسفيهاً لهم وعدم فلاح؛ لأن أكثر الملأ من المشركين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة ورفعة في الدنيا وكثرة مال إنما توارثوه من آبائهم وأجدادهم، ويرون في ترك ما عليه آباؤهم طعناً فيهم ومنقصة لهم، مما قد يقلل من قيمة الفرد منهم.
د) الحسد:
"الحسد هو تمني زوال نعمة من مستحق لها، وربما كان مع ذلك سعي في إزالتها"
(2)
، يقول الجاحظ:"إن الحسد هو التألم بما يراه الإنسان لغيره من الخير، وما يجده فيه من الفضائل والاجتهاد في إعدام ذلك الغير ما هو له"
(3)
.
وقد كان أول ذنب عصي الله به في الأرض بسبب الحسد، أي حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله
(4)
؛ لأن الحسد يورث العداوة والبغضاء والحقد،
(1)
البداية والنهاية، ابن كثير، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص 44.
(2)
المفردات، الأصفهاني، ص 118.
(3)
تهذيب الأخلاق، الجاحظ، ص 34.
(4)
انظر: أدب الدنيا والدين، الماوردي، ص 278.
مما يؤدي بصاحبه إلى ارتكاب الحماقات، وقد ولّد الحسد في أنفس الملأ من المشركين حسرات بسبب إحساسهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين أفضل منهم، ولا يَحسُد إلا من يعلم أن الإسلام هو دين الحق، ولكن حسده يمنعه من اتباعه، وقد ذكر الله أهل الكتاب وحسدهم لأنهم يعلمون بما لديهم من العلم أن الرسول حق والإسلام حق، قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}
(1)
.
وقد كذب فرعون موسى عليه السلام حسداً منه، قال تعالى:{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}
(2)
، فكان من أسباب عدم القبول أنه كيف يكون لكما الملك والعز في أرض مصر، وأيضاً فالنبي إذا اعترف القوم بصدقه صارت مقاليد أمر أمته إليه، فصار أكبر القوم
(3)
، وكل ذلك حسدٌ حتى لا يكون هناك كبيرٌ إلا فرعون وقومه.
ومن مواقف حسد المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين هو علمهم بصدقه ومخالفته خوفاً من ارتفاع مكانته عليهم، ومن ذلك قول أبي جهل للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه قبل إسلامه: والله إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم، قالوا: فينا الندوة، قلنا: نعم، قالوا: فينا اللواء، قلنا:
(1)
سورة البقرة، الآية:109.
(2)
سورة يونس، الآية:78.
(3)
انظر: التفسير الكبير، الرازي، المجلد التاسع، الجزء السابع عشر، ص 114.