الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث إشارة إلى أن التعرف على المدعو يحدد طريقة دعوته وأولوياتها، وكذلك عند إرساله صلى الله عليه وسلم الصحابة للدعوة كان يرسلهم إلى قبائلهم؛ لأنهم أعلم بهم من غيرهم؛ فأرسل الطفيل بن عمرو الدوسي إلى دوس، وأبا أمامة الباهلي إلى قومه، وعمرو بن مرة الجهني إلى جهينة، وعروة بن مسعود الثقفي إلى ثقيف وغيرهم.
وبهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يُعِدُّون أنفسهم أو يُعِدُّ بعضهم بعضاً بمعرفة المدعو اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدِّمون أعرفهم بالقوم لدعوتهم، كما حصل من تقديم سلمان الفارسي في دعوة أهل القصر الأبيض -وهم فرس- وأهل بهرسير، وكل ذلك لأنه أعلم بالفرس من غيره.
رابعاً: أين ومتى يدعو الداعي
؟
من إعداد الداعية الجيد أن يميز المكان والزمان المناسبين للدعوة؛ لأن في ذلك مدعاة للقبول أفضل من أي حال أخرى، فمتى ما توافق الزمان والمكان سنحت الفرصة للدعوة، والفرص لا تكون دائماً كذلك، فالداعية يجب عليه أن يكون متيقظاً ومراقباً للفرص؛ حتى يغتنمها؛ لأن الفرص لا تدوم، وبفواتها يفوت خير كثير، وهو زيادة احتمالية قبول المدعو للدعوة.
ومن الأمثال في اختيار المكان والزمان المناسبين هو اختيار موسى عليه السلام ليوم الزينة ليكون ميعاداً للقائه مع السحرة، قال تعالى:{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}
(1)
، فكان اختياره لذلك الموعد حتى يتضح الحق لأكبر عدد من البشر، يقول الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "إنما سأل موسى
(1)
سورة طه، الآية:59.
ذلك لأن يوم الزينة ووقت الضحى يحصل فيه من كثرة الاجتماع، ورؤية الأشياء على حقائقها ما لا يحصل في غيره"
(1)
، فذلك من وحي الله أولاً ثم من فطنة موسى عليه السلام وتحرِّيه للمكان والزمان المناسبين لإظهار الحق.
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم في دعوته يتحرَّى الأوقات والأماكن المناسبة، وذلك في المناسبات، كعرضه نفسه على القبائل في مواسم الحج والأسواق كعكاظ وذي المجاز وغيرها، وعندما بايع الرسول صلى الله عليه وسلم من بايعه في العقبة الأولى وعلم أن الفرصة سانحة لدعوة أهل المدينة أرسل لهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، ولم يتردد في ذلك، فالمكان والزمان مناسبان.
ومن تهيئة الداعية للقيام بأمور الدعوة أن يُعَدَّ لمعرفة متى وأين يدعو؛ لأنه بهذين السؤالين يتمكن من معرفة كيف يدعو، ولأن الصحابة هم أول الدعاة فإن إعدادهم كان قائماً على القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يستمدون منها أمور إعداد الداعي.
وفي القرآن شواهد على تحرِّي الوقت والمكان، ومن ذلك: دعوة يوسف عليه السلام لصاحبيه في السجن، حيث كان أول ما تحدث به معهما قبل أن يجيب على أسئلتهما الدعوة إلى الله، قال تعالى:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
(2)
.
(1)
تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص 591.
(2)
سورة يوسف، الآيتان: 39 - 40.