الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما في قصة ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه عندما عاد إلى قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنهم ما أرسلوه إلا لمكانته فيهم، وأنهم آخذون برأيه فدعاهم فأسلموا جميعاً حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما يقول:"فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة"، ومثله الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وكان رجلاً شريفاً وشاعراً في قومه، حيث بقي في أرض قومه يدعوهم.
فكانت جهودهم رضي الله عنهم مع أقوامهم تعتمد على مكانتهم ومدى قدرتهم على استخدام هذه المكانة في صالح الدعوة إلى الله.
خصائص المكانة في دعوة الصحابة رضي الله عنهم للمشركين:
1 -
معرفة الداعي بحكم مكانته لمواطن التأثير في قومه واستخدامها.
2 -
المكانة تحمي الداعي من الاعتداء والأذى.
3 -
إمكانية دعوة عدد كبير في وقت قصير.
4 -
ثقة المدعوين في هذا الداعية؛ لأنه من أشرافهم.
5 -
التبعية الخالصة والاحترام للأشراف والأعيان يساعد في قبول الدعوة.
ثالثاً: قوة القبيلة وإمكاناتها:
كانت القبائل في الجزيرة العربية في ذلك الوقت تشابه الدويلات المستقلة؛ حيث إن لكل قبيلة قيادة وشعباً وأرضاً، وهذه هي مكونات الدولة، فإذا استبعدنا الإمبراطورية الفارسية والرومانية في ذلك الوقت كدولتين عظيمتين فإن
"القبيلة هي أساس النظام الاجتماعي عند أهل البادية، وتعد أكبر الوحدات السياسية التي عرفها العرب ومارسوا من خلالها نشاطاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية"
(1)
، ولكل قبيلة إمكانات ومميزات تتميز بها عن الأخرى، فمثلاً قبيلة قريش تتميز بخدمة البيت الحرام وجميع القبائل تحج إليه كل عام، وقبائل اليمن تأتي عن طريقهم رحلات التجارة، وكذلك من قبائل الشام، وتتميز قبائل اليمامة بتزويد مكة بالحنطة، كما أنها تقع على طريق تجارة العراق، فلكل قبيلة مصلحة لدى القبيلة الأخرى، كما أنه مع وجود المصالح فإن القبائل الصغيرة تخاف على نفسها من تسلط القبائل القوية وسلبها، ومن هذا المنطلق -منطلق المصلحة وتحاشي الضرر- يكون التعامل بين القبائل أو هذه الدويلات الصغرى. إذن هذه القبائل هي داعم ومساند لأفرادها وحامية لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ولو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى ذكر مدى حماية القبيلة لأفرادها وذلك في قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}
(2)
، يقول ابن جرير:{أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} يقول: "أو أنضم إلى عشيرة مانعة تمنعني منكم"
(3)
، وفي قوله تعالى على لسان قوم
(1)
الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، أحمد عجاج كرمي، ص 29.
(2)
سورة هود، الآية:80.
(3)
جامع البيان، الطبري، 6/ 428.
شعيب عليه السلام: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}
(1)
، "يقولون: لولا أنا نتقي عشيرتك وقومك لرجمناك"
(2)
.
وقد كانت القبائل تتجنب أذية أي فرد من أفراد القبيلة الأخرى حتى لا تتسبب بإثارة مشكلة بين القبيلتين، ومن ذلك رأي أبي جهل عندما أشار على قريش بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يؤخذ من كل قبيلة فتىً شاب جلد نسيب وسيط فيهم ويعطى كل منهم سيفاً ثم يضربون رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربة رجل واحد فيقتلونه فيتفرق دمه بين القبائل فلا تستطيع قبيلته حربهم جميعاً
(3)
.
وفي هذا دليل على أنه لو قتله واحد منهم لقاتلتهم قبيلته، أما إذا كانوا عشرة فلن يستطيعوا ذلك.
ومن هذا نجد أن الصحابة قد استثمروا هذه الخاصية عند العرب، وحاولوا إيصال دعوتهم ومجاهدة المشركين، فمنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أسلم فذهب إلى المشركين وأخبرهم فقاموا عليه فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وبينما هم كذلك إذ أقبل العاص بن وائل السهمي فقال لهم:"أترون بني عدي بن كعب مسلمين لكم صاحبهم"، فتفرقوا عنه خشية من قومه
(4)
، ومن ذلك ثمامة بن أثال رضي الله عنه عندما أسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
(1)
سورة هود، الآية:91.
(2)
جامع البيان، الطبري، 6/ 453.
(3)
انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، 1/ 436.
(4)
انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، 1/ 224.