الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا أبو عامر الأشعري رضي الله عنه لقي يوم أوطاس عشرة إخوة من المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ويحمل عليهم أبو عامر وهو يقول ذلك حتى قتل تسعة وبقي العاشر، فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقال الرجل: اللهم لا تشهد عليَّ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعدها وحسن إسلامه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هذا شريد أبي عامر (
(1)
. واستشهد أبو عامر في ذلك اليوم وجمع الله له الشهادة وإسلام رجل على يديه يكتب له به الأجر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتى يدعوهم"
(2)
.
هـ) الشاهد الخامس: تقديم خير الآخرة على الدنيا:
إن تقديم الآخرة على الدنيا مما تميز به الصحابة رضي الله عنهم في جميع أمورهم، ومنها أمور الدعوة، ومن هذا دعوة أم سُليم لأبي طلحة عندما خطبها فقالت: أما إني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكن كافر وأنا مسلمة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد ينبت من الأرض، ينجرها حبشي بني فلان؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي أن تعبد خشبة؟ إن أنت أسلمت فإني لا أريد منك الصداق
(1)
السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 387.
(2)
المسند، الإمام أحمد، مسند عبدالله بن عباس، رقم 2053، 1/ 616. حديث صحيح (الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد السادس، القسم الأول، رقم 2641، ص 293).
غيره، قال: حتى أنظر في أمري، فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالت: يا أنس، زوّج أبا طلحة، فتزوجها
(1)
. فقد فضلت رضي الله عنها إسلام أبي طلحة على رغبتها فكان حبها للآخرة أكبر من محبتها للدنيا. وهذا يؤيده حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الذي ذكرناه في الشاهد الرابع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم .. ( .. يقول الإمام النووي: "إن تشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا إنما هو للتقريب من الأفهام وإلا فذرة من الآخرة الباقية خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت. وفي هذا الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة"
(2)
. فكان ميزان أم سُليم رضي الله عنها هو أن الآخرة أرجح عند الله وأخير، وجمع الله لها خير الآخرة بإسلام أبي طلحة على يديها وخير الدنيا بزواجها منه.
كما يتجلى ذلك في حديث مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي فسبقت أصحابي فتلقاني الحي بالرنين فقلت: قولوا: لا إله إلا الله تحرزوا، فقالوا؛ فلامني أصحابي وقالوا: حُرمنا الغنيمة بعد أن ردت بأيدينا، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه بما صنعت فدعاني فحسن لي ما صنعت، وقال: (أما أن الله قد كتب لك بكل إنسان فيهم كذا وكذا (
(3)
، فقدم رضي الله عنه محبة هداية القوم على الفوز بالغنيمة الفانية في الدنيا ففاز بغنيمة الآخرة الباقية.
(1)
انظر: أسد الغابة، ابن الأثير، 5/ 456 - 457.
(2)
شرح صحيح مسلم، النووي، المجلد الثاني، الجزء الخامس عشر، شرح الحديث 2406، ص 554.
(3)
صحيح ابن حبان، المجلد الثالث، الجزء الثالث، كتاب الصلاة، فصل في القنوت، الحديث 2019، ص 184.