الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت معرفة أصحابه رضي الله عنهم لمن يدعونهم سبباً في إسلام كثير منهم، فهذا أسعد بن زرارة يعرِّف مصعب بن عمير بمكانة أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ، وأن إسلامهما سوف يكون له أثر في إسلام قومهما، وقد كان ذلك.
كما أن معرفة الصحابة لدين المشركين، وطريقة عبادتهم، وماهية آلهتهم كان لها الأثر الكبير في طريقة إقناعهم، وعرض الإسلام عليهم؛ لأنهم خبروا الشرك وأهله، فطريقة معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو بن الجموح في التعامل مع صنم عمرو بن الجموح فيه بيان لعدم قدرة هذا الإله الدفاع عن نفسه، وكذلك ابن رواحة وأبو الدرداء وتعامل سلمان الفارسي مع الفرس، ودعوتهم بلغتهم، وبيان وضعه في الإسلام، وما قام به العباس بن عبدالمطلب مع أبي سفيان، ومعرفته أنه خائف من المسلمين جعله يغتنم ذلك في دعوته إلى الإسلام، والمواقف والشواهد كثيرة.
فمن هذا نجد أن معرفة الداعي لطبيعة المدعو والإلمام بها فيها من الفوائد من إزالة الحواجز وإبعاد الوحشة والتقرُّب إليه، وموافقته فيما يميل إليه من المباحات بما يكون سبباً في التأثير عليه، وإقناعه للدخول في الإسلام.
الفائدة السابعة: أن اختلاط الداعي بالمدعوين مهمٌّ للقيام بالدعوة:
إن من الفوائد في منهج دعوة الصحابة للمشركين بيان فائدة اختلاط الداعي بمن يدعو ومعايشتهم؛ لأن من البديهي أن الداعية هو من يبحث عن المدعو، وليس العكس؛ لذا ينبغي عليه غشيان أماكن المشركين بغرض الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولأن الإنسان بطبعه اجتماعي، ولا يستطيع العيش منفرداً ومعزولاً عن بقية البشر، فإن هذه الطبيعة تجبره على الاختلاط بجنسه، وهذا الاختلاط يوجد نوعاً من التفاهم والتوافق بين مجموعة من الأفراد لِيكونوا مجتمعاً متفقاً في نواحٍ عدة، ومن هذه النواحي الدين، فغالباً ما يكون دين هذه المجتمعات واحداً؛ لذا وجب على الداعية أن يدخل إلى هذه المجتمعات ويخالطها؛ لينشر الإسلام بينها، فالمخالطة هي المقدمة للدعوة في تلك المجتمعات، والبداية لهدايتهم. وقد خالط الأنبياء أقوامهم من المشركين، وبينوا لنا مدى فاعلية المخالطة مع الصبر على الأذى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"
(1)
. وقد خالط الصحابة المشركين وحاوروهم وصبروا على أذاهم، كل ذلك في سبيل الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه أيضاً؛ لذلك وجب على الداعية أن يخالط المشركين ليدعوهم بشرط أن يكون بدافع الدعوة والأمر بالمعروف، وألا يتأثَّر بهم، وأن يصبر على أذاهم، وأن يأمن الفتنة منهم، وأن يكون اختلاطه بهم إيجابياً فعَّالاً، يبين فيه محاسن الإسلام ويدعو إليه، ويتخلَّق بخلق الإسلام، فما انتشر الإسلام في كثير من أصقاع الأرض إلا بأخلاق أهله عندما اختلطوا بأهل تلك البلاد وعاملوهم، فوجدوا فيهم ما جذبهم إلى الإسلام.
ومخالطة الداعية للمشركين وإظهار شعائره لديهم فيها بيان ثقة الداعي فيما يدعو إليه، فقد كان الصحابة يظهرون شعائرهم أمام
(1)
سنن ابن ماجه، أبواب الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم 4032، ص 582. حديث صحيح (الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم 939، 2/ 614).