الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهم، وبما يعملون، وما يتخذون من مواقف، ومن هؤلاء سعد بن معاذ عندما دعا قومه فأجابوه لأنه محل ثقة ورأي لديهم، وكذلك ضمام بن ثعلبة عندما أرسله قومه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعاد إليهم مسلماً، فما كان منهم إلا أن أسلموا؛ لأنهم لم يرسلوه إلا وهو ثقة بينهم، وأيضاً الطفيل بن عمرو الدوسي فقد كان شريفاً في قومه وشاعراً لبيباً.
جميع هؤلاء لم يدعوا قومهم إلا وقد سبق إسلامهم فكأن لسان حالهم يقول: لولا أنه أمر فيه خير لما اتخذناه لأنفسنا قبل أن ندعوكم إليه.
رابعاً: أسلوب الدعوة بالقوة الفعلية:
الأسلوب الفعلي هو أسلوب يركز إحساس المدعو إلى واقع الحال، وما هو حاصل، وما سوف يقوم به الدعاة من استخدام القوة باختلاف درجاتها، من هذه الأساليب الجهاد، وتغيير المنكر باليد، واستخدام القوة، وكل ما من شأنه أن يكون دعوة للإسلام باستخدام القوة.
وقد استخدم النبي سليمان عليه السلام هذا الأسلوب مع ملكة سبأ عندما أرسل لها الهدهد، وأمرها أن تأتي هي وقومها مسلمين، قال تعالى:{أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
(1)
، وعندما تأخروا عليه وأرادوا أن يسترضوه بالهدايا أرسل إليهم كما في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ
(1)
سورة النمل، الآية:31.
لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}
(1)
، فقد عرض سليمان عليه السلام الإسلام على أهل سبأ بالقوة الفعلية؛ مما جعلهم يأتونه مسلمين، قال تعالى:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(2)
.
وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم القوة في الدعوة في مواقف كثيرة منها: خيبر عندما أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إليهم وأمره أن يدعوهم، ومنها إرسال السرايا وأهمها فتح مكة عندما دخلها صلى الله عليه وسلم فاتحاً وذلك بالقوة.
فالقوة والتلويح بها في الدعوة أسلوب وارد، وما قامت الفتوحات الإسلامية والجهاد إلا لنشر الإسلام بين البشرية، ولأن طبيعة بعض البشر تحتاج إلى القوة حتى تتنازل عن عنادها وتفكر بعقلها كان أسلوب القوة هو الأسلوب الأمثل في التعامل مع هؤلاء.
وقد استخدم الصحابة هذا الأسلوب في الدعوة وخصوصاً أثناء إرسال الرسول للسرايا ومن خلال الفتوحات الإسلامية بعد ذلك، ومن هذه المواقف والشواهد على استخدام ذلك الأسلوب ما يأتي:
أ) في غزوة خيبر أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم (
(3)
، فما كان من علي رضي الله عنه إلا أن دعاهم بالقوة.
(1)
سورة النمل، الآية:37.
(2)
سورة النمل، الآية:44.
(3)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل، رقم 3009، ص 497.
وكذلك في السرية التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بها إلى اليمن في ثلاثمائة فارس حيث كانت هي أول خيل دخلت تلك البلاد، فلما لقيهم جمع من مذحج دعاهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلهم فانهزموا وتفرقوا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فسارعوا وأجابوا
(1)
، فهؤلاء القوم لم يسلموا إلا بالقوة، وبعد أن رأوا بأعينهم واقع الحال وقوة المسلمين.
ب) في الجيوش التي أرسلها الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنشر الإسلام استخدام للقوة، وقد أوصى قادة الجيوش بوصيته المشهورة والتي قال فيها: "عليكم بتقوى الله، اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، فإن الله ناصر دينه، ولا تغلُّوا ولا تمثِّلوا، ولا تجبنوا ولا تفسدوا في الأرض، ولا تعصوا ما تؤمرون، فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال، فإن أجابوكم فاقبلوا منهم وكُفُّوا عنهم، ادعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوكم فاقبلوا منهم وكُفُّوا عنهم
…
وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم وقاتلوهم إن شاء الله"
(2)
، وفي هذا دعوة لتبليغ الإسلام بالقوة دون ظلم أو ابتداء أو إفساد في الأرض، وهذه هي أخلاق الإسلام، وهو في هذه الوصية مُتَّبع لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية والتي وردت في صحيح مسلم من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه
(3)
.
(1)
انظر: المغازي، الواقدي، ص 710.
(2)
الأموال، ابن زنجويه، 2/ 478.
(3)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، رقم 4522، ص 768.
جـ) خالد بن الوليد رضي الله عنه قائد الجيوش الإسلامية في العراق كان يدعو الأقوام قبل قتالهم، وذلك بإرسال الكتب لهم التي تبيِّن لهم أنهم إن لم يسلموا قاتلهم المسلمون حتى ينزلوا لحكم الإسلام، فقد أرسل إلى قادة الفرس كرستم ومهران وهرمز، وأرسل كذلك إلى ملأ فارس وعوامهم، وجميع كتبه كانت تبيِّن أنه يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال. ومن بعض كتبه ما جاء فيه: (فإنا ندعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر (. فالجهاد كان هو الأسلوب الأخير في الدعوة لدى خالد بن الوليد، وأنه أسلوب مطروح لاستخدامه في أي وقت كانت الحاجة إليه.
د) كان من سلمان الفارسي رضي الله عنه والذي جعله المسلمون داعية أهل فارس وذلك لعلمه بلغتهم، دعوة إلى الإسلام تضمنت دعوة بالقوة والجهاد، وعرض ذلك على المدعوين حتى يعلموا أن القوة هي الخيار الثالث، وذلك كان في دعوته لأهل القصر الأبيض، من مدن فارس وغيرها، وقد قال لهم: (إن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطيتمونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإن أبيتم نابذناكم على سواء (. وقد دعاهم إلى ذلك ثلاثة أيام ثم انهدُّوا إليهم ففتحوا الحصن بالقوة. وكان من ذلك أن دخل كثير ممن في الحصن في الإسلام، ودخلت مدن أخرى في الإسلام دون قتال لما رأوا من حال من قبلهم.
هـ) في هدم الأصنام والتي أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم لهدمها بيان للقوة والدعوة إلى الله وإثباتها بإظهار القوة، فقد أسلم سادن سواع عندما هدم عمرو بن العاص رضي الله عنه الصنم، وهدم خالد بن الوليد رضي الله عنه للعزى التي بنخلة وذي الكفين صنم دوس، وهدم المغيرة بن شعبة الطاغية في الطائف، وهدم جرير بن عبدالله البجلي ذي الخلصة، وهدم علي بن أبي طالب بفلس صنم طيئ، وغيرها من الأصنام التي هدمها الصحابة، في ذلك نوع من القوة لبيان الحق وإثبات الإسلام ودحر الباطل وإزالته.