الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ط) الشاهد التاسع: إظهار الحق وعدم كتمه:
قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(1)
. هذه الآية مطابقة لما قام به النجاشي من دعوة عمرو بن العاص رضي الله عنهما عندما ذهب إلى الحبشة بعد غزوة الخندق، قال عمرو بن العاص: "لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون والله إني لأرى أمر محمد يعلو علواً منكراً، إلى أن قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حيث قتلت رسول محمد، قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع فقال: مرحباً بصديقي، أأهديت لي من بلادك شيئاً؟ قال قلت: نعم أيها الملك قد أهديت لك أدماً كثيراً، قال: ثم قدمته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، قال: فغضب ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أن قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقاً منه، ثم قلت: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله؟ قال: قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ فقال: ويحك يا
(1)
سورة البقرة، الآية:42.
عمرو، أطعني واتبعه فإنه والله لعلى حق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، قال: فقلت: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم، فبسط يده وبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي
…
"
(1)
الحديث.
وهذا هو النجاشي ملك الأحباش، وقد عُدَّ من الصحابة لم يلبس الحق بالباطل فقد كان على دين النصرانية ولديه علم من الإنجيل فعرف الحق ولم يكتمه بل أسلم وأبلغ به عمرو بن العاص ودعاه إلى الإسلام، فقوله:"فإنه والله لعلى حق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده" هذا هو العلم بالحق، أما قوله:"أطعني واتبعه" فهذه هي دعوة النجاشي لعمرو لاتباع الحق وعدم إنكاره أو كتمه، ولم يمنع النجاشيَّ مكانته وملكه والتابعون له من أن يظهر الحق عندما عرفه لعمرو بن العاص، ولعلمه السابق بالتوراة والإنجيل فإنه يجد نعت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى وجود ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب وأن من اتبعه هم المفلحون، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ
(1)
انظر: المسند، الإمام أحمد، مسند الشاميين، رقم 17930، 6/ 98 - 100. حديث حسن (الألباني، إرواء الغليل، 5/ 123).