الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للقبلة، فهم اختصاص النهي بالبنيان، فلا يكون هذا الفهم حجة، ولا يصلح هذا للاستدلال به، خاصة وقد عارضه غيره من الصحابة، منهم أبو أيوب، فلا يكون حجة، وقد خالف الصحابي صحابي آخر، هذا على التسليم بأن قول ابن عمر: إنما نهي عن هذا بالفضاء صحيح، ومع تضعيفه يكون لا حاجة إلى هذا التوجيه، والله أعلم.
الدليل الثالث:
من النظر، قالوا: إن التكريم وإن كان لجهة القبلة، فإن التفريق بين البنيان والصحراء له حظ من النظر، وذلك أن الأمكنة المعدة لقضاء الحاجة تكون مأوى للشياطين، فليست صالحة لكونها قبلة؛ ولأن الحديث يقول: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة. وحقيقة الغائط: هو المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، فلا يدخل فيه البنيان أصلاً، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازاً، فيختص النهي به؛ إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة. قال الحافظ: وهذا الجواب للإسماعيلي، وهو أقواها.
وقالوا أيضاً: إن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية، فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفاً
(1)
.
الدليل الرابع:
(271 - 115) ما رواه الدراقطني
(2)
من طريق موسى بن وارد.
ورواه البيهقي
(3)
من طريق يعقوب بن كعب الحلبي، كلاهما عن حاتم
(1)
الفتح (ح 144).
(2)
سنن الدراقطني (1/ 61).
(3)
سنن البيهقي (1/ 93).
بن إسماعيل، عن عيسى بن أبي عيسى، قال:
قلت للشعبي: عجبت لقول أبي هريرة، ونافع عن ابن عمر. قال: وما قالا؟ قلت: قال أبو هريرة: لا تستقبلوا القبلة ولا تسدبروها. وقال نافع، عن ابن عمر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذهب مذهباً مواجه القبلة. فقال: أما قول أبي هريرة ففي الصحراء. إن لله تعالى خلقاً من عباده يصلون في الصحراء، فلا تستقبلوهم، ولا تستدبروهم، وأما بيوتكم هذه التي يتخذونها للنتن،، فإنه لا قبلة لها.
[إسناده ضعيف جداً]
(1)
.
ومع ضعفه، فإن متنه منكر؛ فإنه علله بوجود المصلين في الصحراء، لا تكريماً للقبلة، وقد رده ابن العربي من خمسة أوجه:
الأول: أنه موقوف على الشعبي.
الثاني: أنه إخبار عن غيب، فلا يثبت إلا عن الشارع.
الثالث: أنه لو كان لحرمة المصلين ما جاز التشريق والتغريب؛ لأن العورة لا تخفى معه أيضاً عن المصلين، وهذا يعرف باختبار المعاينة.
الرابع: أن النهي علل بحرمة القبلة، لقوله: لا تستقبلوا القبلة، فذكرها بلفظها، وأضاف الاحترام لها.
الخامس: أن الاسناد فيه رجل متروك
(2)
.
(1)
فيه عيسى بن أبي عيسى الحناط، وفي البيهقي: الخياط، قال الحافظ عنه في التقريب: متروك.
(2)
انظر شرح ابن العربي (1/ 25).
وقال النووي: قول المصنف: ولأن في الصحراء خلقاً من الملائكة والجن يصلون. هكذا قال أصحابنا واعتمدوه، ورواه البيهقي بإسناد ضعيف، عن الشعبي التابعي من قوله. وهو تعليل ضعيف؛ فإنه لو قعد قريباً من حائط، واستقبله، ووراءه فضاء واسع، جاز بلا شك، صرح به إمام الحرمين والبغوي وغيرهما، ويدل على ما قدمناه عن ابن عمر، أنه أناخ راحلته، وبال إليها، فهذا يبطل هذا التعليل، فإنه لو كان صحيحاً لم يجز في هذه الصورة، فإنه مستدبر الفضاء الذي فيه المصلون، ولكن التعليل الصحيح أن جهة القبلة معظمة، فوجب صيانتها في الصحراء، ورخص فيها بالنباء للمشقة
(1)
. اهـ
قلت: الأحاديث القولية مطلقة، تشمل الاستقبال والاستدبار، والصحراء والبنيان، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في البنيان، هل ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه إنما خالف النهي؛ لأنه كان في البنيان، أم أن كونه في البنيان وقع اتفاقاً، وإلا فهو وصف غير مؤثر في الحكم؟ الذي يترجح لي الثاني. ولو كان البنيان مؤثراً لما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم النهي في أحاديث كثيرة منها حديث أبي أيوب، وسلمان وابن مسعود وأبي هريرة، وغيرها.
والذي يؤيد ذلك حديث جابر، فإن الراوي لم يذكر أنه كان في البنيان، ولم يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمد إلى ساتر، فاعتماد أن البنيان مؤثر في الحكم، ويلحق به الساتر علة مظنونة مستنبطة، قد تكون علة مؤثرة، وقد لا تكون، وفهم جابر رضي الله عنه في حديثه قد بين أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة، ثم وقع منه مخالفة لما نهى، وهو واضح أن النهي كان مطلقاً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خالف ذلك بعد أن نهى، واعتبار أن الفعل يكون
(1)
المجموع (2/ 97).