الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل التاسع:
قالوا: إن المني مبتدأ خلق الأنبياء والرسل وبني آدم الذين كرمهم الله، فلا يليق أن يكون أصل هؤلاء نجساً.
قال ابن القيم: الله تعالى أحكم من أن يجعل محال وحيه ورسالاته وقربه مبادئهم نجسة، فهو أكرم من ذلك، وأيضا فإن الله تعالى أخبر عن هذا الماء وكرر الخبر عنه في القرآن، ووصفه مرة بعد مرة، وأخبر أنه دافق يخرج من بين الصلب والترائب، وأنه استودعه في قرار مكين، ولم يكن الله تعالى ليكرر ذكر شيء كالعذرة والبول ويعيده ويبديه ويخبر بحفظه في قرار مكين، ويصفه بأحسن صفاته من الدفق وغيره، ولم يصفه بالمهانة إلا لإظهار قدرته البالغة أنه خلق من هذا الماء الضعيف هذا البشر القوي السوي، فالمهين هاهنا الضعيف، وليس هو النجس الخبيث، وأيضا فلو كان المني نجساً، وكل نجس خبيث لما جعله الله تعالى مبدأخلق الطيبين من عبادة والطيبات، ولهذا لا يتكون من البول والغائط طيب، فلقد أبعد النجعة من جعل أصول بني آدم كالبول والغائط في الخبث والنجاسة والناس إذا سبوا الرجل قالوا: أصله خبيث، وهو خبيث الأصل
(1)
.
وتعقب هذا الاستدلال:
بأنه ليس عيباً أن يكون أصل خلق الإنسان نجساً، ولا يلحقهم عيب من ذلك، كما أن الله يجعل خواص عباده ظروفاً وأوعيةً للنجاسة كالبول والغائظ والدم والمذي ولا يكون ذلك عائداً عليهم بالعيب والذم.
(1)
المرجع السابق (3/ 640).
ورد هذا الجواب:
بأن الإنسان ليس ظرفاً للنجاسة البتة، وإنما تصير الفضلة بولاً وغائطاً إذا فارقت محلها فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة، وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، فالمؤمن لا ينجس كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا يكون وعاء للنجاسة
(1)
.
الراجح من الخلاف.
القول بطهارة المني قول قوي جداً، والاستنجاء منه ليس بواجب، ويكفي حجة لهذا القول أن الشارع لم يأت منه أمر بغسله، ولو كان نجساً لجاء الأمر بغسله والتوقي منه كما جاء الأمر بالاستتار من البول، وغسل دم الحيض، وغسل المذي، وغيرها من سائر النجاسات، ولا مع من قال بنجاسته إلا مجرد أن عائشة كانت تغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفركه إذا كان يابساً، ولو كان الفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ذلك حجة على نجاسة المني؛ لأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة لا تقتضي الوجوب، والله أعلم.
(1)
بدائع الفوائد (3/ 639).