الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقبولة
(1)
.
دليل من قال بطهارة المني
.
الدليل الأول:
الأصل في الأعيان الطهارة، ولا يقال بنجاسة شيء حتى يأتي دليل صحيح صريح سالم من المعارضة، ولا دليل على نجاسة المني.
الدليل الثاني:
قالوا: لو كان المني نجساً لجاء الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم بغسله، خاصة أن البلوى فيه شديدة في الأبدان والثياب والفرش وغيرها، فلما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بغسل ما أصابهم علم أن المني طاهر، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض أن تغسل ما أصاب ثوبها من دم الحيض، مع أن البلوى في المني أكثر وأشد، وأمر بغسل المذي أيضاً، ولم يأمر بغسل المني، فعلم أن غسله ليس واجباً، وأن عينه ليست نجسة.
الدليل الثالث:
(405 - 249) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم، حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب بن غرقدة،
عن عبد الله بن شهاب الخولاني، قال: كنت نازلاً على عائشة، فاحتلمت في ثوبي، فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إلي عائشة، فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك. قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه. قالت: هل رأيت فيهما شيئاً. قلت: لا.
(1)
بدائع الفوائد (3/ 639).
قالت: فلو رأيت شيئاً غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظفري.
وجه الاستدلال:
أن عائشة كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً، وهذا دليل على طهارته؛ إذ لو كان نجساً لوجب غسله كسائر النجاسات.
وأجيب بأجوبة منها:
أولاً: ثبت في طهارة النعل الدلك بالتراب، وكان ذلك طهارة له.
(406 - 250) فقد روى أحمد، قال: يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثاً فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما
(1)
.
[الحديث إسناده صحيح]
(2)
.
(1)
المسند (3/ 20، 92).
(2)
أبو نعامة، ثقة. روى له مسلم.
وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس به. انظر الجرح والتعديل (6/ 41).
وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 155).
وأبو نضرة العبدي. روى له مسلم.
وقال أحمد: ما علمت إلا خيراً. ووثقه يحيى ابن معين، وأبو زرعة. انظر الجرح =
فإذا كان الدلك في النعل لم يدل على طهارة الأذى الذي في النعل، لم
= والتعديل: (10/ 268).
ووثقه النسائي كما في لسان الميزان (7/ 398).
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، كثير الحديث، وليس كل أحد يحتج به. انظر الطبقات الكبرى (7/ 208).
وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 420) وقال: كان من فصحاء الناس، فلج في آخر عمره، وكان ممن يخطي.
واعتمد الذهبي كلام ابن حبان، فقال في الكاشف (6532): " فصيح بليغ مفوه ثقة يخطي. وفي التقريب ثقة. وباقي رجاله مشهورون.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه الدارمي (1378)، وأبو يعلى (1194)، والبيهقي في السنن (2/ 402) من طرق عن حماد بن سلمة به. وصححه الحاكم (1/ 260) ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو داود (650) من طريق حماد بن زيد، عن أبي نعامة به. ولعله خطأ؛ فإني لم أقف على أبي نعامة من شيوخ حماد ابن زيد. والله أعلم.
أما حديث أبي هريرة عند أبي داود (385): " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " فإنه حديث ضعيف قد اضطرب إسناده على الأوزاعي، وعلى سعيد بن أبي سعيد. فالأوزاعي تارة يرويه عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري.
وتارة يرويه منقطعاً، فيقول: نبئت أن سعيد بن أبي سعيد كما عند أبي داود (386).
وتارة يرويه متصلاً دون واسطة عن سعيد بن أبي سعيد كما عند ابن حبان (1403). وتارة يرويه عن محمد بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد. ويجعله من مسند عائشة. كما عند أبي داود (1403).
واختلف فيه أيضاً على سعيد بن أبي سعيد، فتارة يرويه عن أبيه، عن أبي هريرة. وتارة يرويه عن القعقاع بن حكيم، عن عائشة. كما في سنن أبي داود (386،387).
قال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 103): " حديث مضطرب الإسناد، لا يثبت، اختلف في إسناده على الأوزاعي، وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافاً يسقط الاحتجاج به " اهـ فيكفي الاحتجاج بحديث أبي سعيد.
يكن دلك المني دليلاً على طهارة المني. نعم يصح الاستدلال على طهارة المني لو أن عائشة تركت المني على ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تغسله رطباً، ولم تفركه يابساً، أو اكتفت بفركه، وهو رطب، أما ما دامت تغسله رطباً، وتفركه يابساً فليس فيه دليل على طهارته، والله أعلم.
ثانياً: ذكر بعض الحنفية: أن هذه الآثار إنما جاءت في ذكر ثياب ينام فيها، ولم تأت في ثياب يصلي فيها، وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول والدم لا بأس بالنوم فيها، ولا تجوز الصلاة فيها، وأما الثياب الذي يصلي فيها فإن عائشة كانت تغسله من الثوب، فقد قالت رضي الله عنها: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه
(1)
.
(407 - 251) وقد روى أحمد، قال: ثنا حجاج وشعيب بن حرب قالا: ثنا ليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن خديج،
عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الواحد الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم، إذا لم يكن فيه أذى
(2)
.
[إسناده صحيح]
(3)
.
(1)
البخاري (229)، ورواه مسلم بنحوه (228).
(2)
المسند (6/ 426).
(3)
الحديث رواه أحمد كما في إسناد الباب عن حجاج وشعيب بن حرب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 228) رقم 8411 وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (3073)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 407) عن شبابة.
وأخرجه أبو داود (366) والنسائي في السنن الكبرى (287) وفي المجتبى (295) =
وقد روي عن عائشة ما يوافق ذلك،
(408 - 252) فقد روى أبو داود
(1)
، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث، عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق، عن
= والبغوي في شرح السنة (522) من طريق عيسى بن حماد.
وأخرجه ابن ماجه (540) من طريق محمد بن رمح.
وأخرجه الدارمي (1376) وابن خزيمة (776) وابن حبان (2331) من طريق أبي الوليد الطيالسي.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (7126) من طريق هاشم بن القاسم.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 50) والبيهقي (2/ 410) من طريق ابن وهب،
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 220) رقم 405، من طريق عبد الله بن عبد الحكم، كلهم عن الليث بن سعد به.
وأخرجه أحمد (6/ 325) من طريق محمد بن إسحاق.
والدرامي (1375) من طريق عبد الحميد بن جعفر.
وأخرجه الطحاوي (1/ 50)، والطبراني في المعجم الكبير (20/ 220) رقم 406،408، من طريق عمرو بن الحارث،
وأخرجه الطحاوي (1/ 50) من طريق ابن لهيعة وجعفر بن ربيعة، كهلم عن يزيد بن أبي حبيب به.
وقال البخاري في الصلاة (1/ 465): باب وجوب الصلاة في الثياب
…
ومن صلى في الثوب الذي يجامع فيه ما لم ير فيه أذى.
قال الحافظ في الفتح (1/ 466): يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه. قالت: نعم إذا لم ير فيه أذى، وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق. اهـ
(1)
سنن أبي داود (367).
عائشة قالت:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا ".
قال عبيد الله: شك أبي.
[إسناده صحيح، والمحفوظ فيه ذكر اللحاف فقط]
(1)
.
فثبت بما ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي في الثوب الذي ينام فيه إذا أصابه شيء من الجنابة، وثبت أن ما ذكرته عائشة، من فرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو في ثوب النوم، لا في ثوب الصلاة
(2)
.
وأن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أطلقت على المني اسم الأذى، والأذى هو
(1)
[تخريج الحديث]
الحديث رواه الترمذي (600) حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا خالد بن الحارث، عن أشعث ـ هو ابن عبد الملك ـ عن محمد بن سيرين به.
ورواه النسائي (5366) أخبرنا الحسن بن قزعة، عن سفيان بن حبيب ومعتمر بن سليمان، عن أشعث به. وأخرجه الحاكم (1/ 252)، والبغوي (520) من طريق معاذ بن معاذ، ثنا الأشعث به. وأخرجه البغوي (521) من طريق خالد بن الحارث عن أشعث به، وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (134) من طريق خالد بن الحارث، قال: ثنا الأشعث به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والصحيح أنه ليس على شرط واحد منهما، فإن أشعث بن عبد الملك لم يخرج له مسلم. وخرج له البخاري تعليقاً. فصار الحديث مداره على أشعث. ويرويه خالد بن الحارث، وسفيان بن حبيب، ومعتمر بن سليمان عن أشعث بذكر اللحاف فقط دون ذكر الشعار. ويرويه معاذ بن معاذ عن أشعث بالشك، يعني "قال في شعرنا أو لحفنا" وربما جمعهما دون شك. فتبين أن الراجح في الحديث ذكر اللحاف دون الشعار.
(2)
انظر شرح معاني الآثار بتصرف يسير (1/ 50).
النجس، كما قال تعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}
(1)
.
ورد هذا الجواب:
بأن حديث عائشة لفظه: كان لا يصلي في لحاف نسائه، ولم تقل: لا يصلي في ثوبه، فلا يقال: إن هذا في ثوب ينام فيه، وفرق بين كونه لا يصلي في لحاف نسائه، وبين كونه لا يصلي في ثوبه الذي ينام فيه، على أن ترك لحاف نسائه في الصلاة لا يدل على نجاسة المني، فإن لحاف المرأة قد يصيبه من دم حيضها، وهي لا تشعر، كما أن ترك الصلاة في لحاف المرأة ليس بواجب، فقد ورد أنه كان يصلي وعليه ثوب، وبعضه على بعض نسائه، وهي حائض، مع أن دم الحيض نجس إجماعاً
(2)
.
(1)
البقرة: 222.
(2)
روى مسلم في صحيحه (514)، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قال زهير حدثنا وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله ابن عبد الله، قال: سمعته عن عائشة قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض وعلي مرط وعليه بعضه إلى جنبه.
قال النووي في شرحه لمسلم:
" وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض أو غيرها ".
وعليه فيكون ترك لحاف النساء مستحباً، وليس بواجب، وقد اختار هذا الشوكاني، ونقله عنه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 497) فقال:" كل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء، وإنما هو مندوب فقط، عملاً بالاحتياط. وبهذا يجمع بين الأحاديث"
وقيل: إن ذلك مباح، وهو ما اختاره أحمد شاكر، فقال متعقباً لكلام الشوكاني: =