الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع في استحباب تقديم الرجل اليسرى عند الدخول والعكس عند الخروج
استحب الفقهاء تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء، وتقديم الرجل اليمنى عند الخروج
(1)
.
دليل المشروعية:
أولاً: الإجماع.
قال النووي: وهذا الأدب متفق على استحبابه
(2)
. ونقل الإجماع أيضاً ابن قاسم في حاشتيه
(3)
.
(1)
انظر في مذهب الحنفية درر الحكام (1/ 50)، البحر الرائق (1/ 256)، الفتاوى الهندية (1/ 50)، حاشية ابن عابدين (1/ 345).
وانظر في مذهب المالكية: مواهب الجليل (1/ 271)، التاج والإكليل (1/ 278)، حاشية الدسوقي (1/ 108)، مختصر خليل (ص:15)، التمهيد (18/ 181)، الخرشي (1/ 145).
وانظر في مذهب الشافعية: المهذب (1/ 26)، التنبيه (ص: 17)، روضة الطالبين (1/ 66)، المجموع (2/ 91)، أسنى المطالب (1/ 45)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 43)، تحفة المحتاج (1/ 157، 158).
وانظر في مذهب الحنابلة المغني (1/ 110)، أخصر المختصرات (ص:90)، الكافي في فقه أحمد (1/ 49)، المبدع (1/ 80)، كشاف القناع (1/ 59)، الفروع (1/ 83)، المحرر (1/ 8)، عمدة الفقه (ص:6).
(2)
المجموع (2/ 91).
(3)
الروض (1/ 122).
الدليل الثاني:
جاءت نصوص كثيرة أن ما كان من باب التكريم قدم فيه اليمين، وما كان ضده قدم فيه اليسار، ومن هذه النصوص.
(177 - 21) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت:
كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره ولطعامه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى.
قال أحمد: وحدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن رجل عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة نحوه
[الراجح في الحديث أن إسناده منقطع]
(1)
.
(1)
دراسة الإسناد:
عبد الوهاب بن عطاء، وإن كان في التقريب: صدوق ربما وهم، إلا أنه من أصحاب سعيد المكثرين عنه، وممن سمع من سعيد قبل اختلاطه.
قال الأثرم عن أحمد: كان عالماً بعطاء.
وأخرج مسلم حديث سعيد من طريق عبد الوهاب بن عطاء. فهذا دليل على أنه ثقة فيه.
وقال ابن عدي: أرواهم عنه ـ أي عن سعيد عبد الأعلى السامي، والبعض منها عن شعيب، وعبدة بن سليمان، وعبد الوهاب الخفاف.
وقال الذهبي: روى الخفاف كل مصنفات سعيد بن أبي عروبة. الميزان (2/ 153).
وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات.
تخريج الحديث:
الحديث رواه أيضاً أبو داود (34) حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء به. ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 113) من طريق عبد الله بن محمد بن الحسن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بن الشرقي، ثنا محمد بن بزيع به. ورواه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 77) رقم 5840، من طريق يحيى بن جعفر، أنا عبد الوهاب به.
بيان الاختلاف على سعيد بن أبي عروبة.
رواه عبد الوهاب،، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود، عن عائشة على الاتصال كما سبق.
وخالف محمد بن جعفر وعيسى بن يونس، وعبدة بن سليمان، ثلاثتهم خالفوا عبد الوهاب، فرووه عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن النخعي، عن عائشة. وإبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة. وإليك تخريج رواياتهم
فقد رواه أحمد (6/ 265) ثنا محمد بن جعفر، عن سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن عائشة، قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليسرى لخلائه، وما كان من أذى، وكانت اليمنى لوضوئه ولمطعمه.
ورواه إسحاق بن راهوية (1639) أخبرنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عائشة به.
وأخرجه أبو داود (33) حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثني عيسى بن يونس عن ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة به. ومن طريق أبي داود أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 113).
وتابعهم مغيرة بن مقسم، فقد رواه أحمد (6/ 170) حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ يمينه لمطعمه ولحاجته، ويفرغ شماله للاستنجاء ولما هناك.
وهذا إسناد حسن، وعنعنة مغيرة زالت بالمتابعة، فقد تابعه ثلاثة حفاظ كما سبق.
وعيسى بن يونس، وعبدة بن سليمان كلاهما رويا عن سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط.
بل قال يحيى بن معين: أثبت الناس سماعاً منه ـ يعني من سعيد بن أبي عروبة ـ عبدة بن سليمان. علوم الحديث (ص: 353).
واختلف في سماع محمد بن جعفر هل سمع من سعيد قبل اختلاطه أم بعد؟
فذهب عبد الرحمن بن مهدي كما في شرح علل الترمذي أن محمد بن جعفر سمع من =
(178 - 22) ومنها: ما رواه أحمد، قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن المسيب،
عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وكانت يمينه لطعامه وطهوره وصلاته وثيابه، وكانت شماله لما سوى ذلك، وكان يصوم الاثنين والخميس
(1)
.
[إسناده مضطرب]
(2)
.
= سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط.
وخالفه عمرو بن الفلاس، فقال: سمعت غندراً يقول: ما أتيت شعبة حتى فرغت من سعيد، يعني أنه سمع منه قديماً، وأياً كان فقد تابعه عيسى بن يونس، وعبدة بن سليمان، ومغيرة بن مقسم.
ورواه ابن أبي عدي، وخالف فيه جميع من سبق. فروه أحمد (6/ 265) قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن رجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عائشة.
فزاد ابن أبي عدي رجلاً بين سعيد بن أبي عروبة، وبين أبي معشر. وقد قال أحمد: ابن أبي عدي جاء إلى ابن أبي عروبة بآخرة. يعني: وهو مختلط. نقله محقق كتاب الكواكب النيرات (ص: 211) من شرح علل الترمذي (ل 327)(ل 328).
فالراجح أن الحديث من رواية إبراهيم، عن عائشة، ولم يسمع منها، وذكر الأسود شاذ في الحديث. والله أعلم.
(1)
المسند (6/ 287).
(2)
ورواه عبد بن حميد، كما في المنتخب (1545) حدثني ابن أبي شيبة، ثنا حسين بن علي، عن زائدة به.
وهذا إسناد منقطع، لأن المسيب بن رافع لم يسمع من حفصة.
وقد اختلف على عاصم بن بهدلة، فرواه حسين بن علي، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب، عن حفصة كما تقدم على الانقطاع. =
(179 - 23) ومنها: ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن همام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه، وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء. رواه مسلم، ورواه البخاري بغير هذا اللفظ
(1)
.
= ورواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدله، عن سواء الخزاعي، عن حفصة كما في مسند أحمد (6/ 287) قال: ثنا أبو كامل، قال: ثنا حماد يعنى بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن سواء الخزاعي، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يوم الإثنين ويوم الخميس، ويوم الإثنين من الجمعة الأخرى.
ورواه أبو أيوب الإفريقي، عن عاصم، عن المسيب بن رافع ومعبد، عن حارثة بن وهب الخزاعي، عن حفصة، فجعل بين المسيب، وحفصة الحارثة بن وهب الخزاعي.
رواه أبو داود (32)، قال: حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي، حدثنا ابن أبي زائدة، قال حدثني أبو أيوب يعني الإفريقي، عن عاصم، عن المسيب بن رافع ومعبد، عن حارثة بن وهب الخزاعي،
قال: حدثتني حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك.
وأخرجه أبو يعلى (7042) وابن حبان (5227) من طريق عبد الله بن عامر بن زرارة الكوفي، حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبي أيوب به.
وأخرجه أبو يعلى أيضاً (7060) من طريق معلى بن منصور، حدثنا ابن أبي زائدة به. وأخرجه الطبراني في الكبير (23/ 203) رقم 346 من طريق سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة به. والحديث ضعيف، لاضطراب إسناده. والله أعلم.
(1)
مسلم (267)، ولفظ البخاري (154): " إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه، وسوف يأتي مزيد بحث في مسألة الاستنجاء باليمين إن شاء الله تعالى.
فالحديث ظاهر في إكرام اليمين، واختصاص اليسرى بالأذى.
(180 - 24) ومنها ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ليكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع
(1)
.
وهذا الحديث أيضاً ظاهر في إكرام اليمين.
ومنها حديث تقديم الرجل اليمنى في دخول المسجد، واليسرى في خروجه،
(181 - 25) أخرجه الحاكم، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن جعفر المفيد المصري، ثنا أبو خليفة القاضي، ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شداد أبو طلحة، قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن أنس بن مالك،
أنه كان يقول: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى.
[إسناده صحيح]
(2)
.
قال النووي: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: يستحب تقديم اليمنى في كل ما هو من باب التكريم كالوضوء، والغسل ولبس الثوب، والنعل
(1)
صحيح البخاري (5856)، ومسلم (2097) إلا قوله: لتكن اليمنى أولهما تنزع .. الخ.
(2)
رجاله ثقات، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بشداد بن سعيد أبي طلحة الراسبي ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وصححه النووي في المجموع (2/ 419).
والخف، والسروايل، ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال وتقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس والسلام من الصلاة، والخروج من الخلاء، والأكل والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، والأخذ والعطاء، وغير ذلك مما هو في معناه.
ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك، كالامتخاط والاستنجاء، ودخول الخلاء، والخروج من المسجد، وخلع الخف والسروايل والثوب والنعل، وفعل المستقذارت، وأشباه ذلك.
وقال ابن تيمية: قد استقرت قواعد الشريعة على أن الأفعال التي تشترك فيها اليمنى واليسرى تقدم فيها اليمنى إذا كانت من باب الكرامة كالوضوء والغسل، والابتداء بالشق الأيمن في السواك، ونتف الإبط، وكاللباس، والانتعال والترجل، ودخول المسجد والمنزل، والخروج من الخلاء، ونحو ذلك.
وتقدم اليسرى في ضد ذلك، كدخول الخلاء، وخلع النعل، والخروج من المسجد، والذي يختص بإحداهما إن كان بالكرامة كان باليمين، كالأكل والشرب والمصافحة، ومناولة الكتب، وتناولها، ونحو ذلك.
وإن كان ضد ذلك كان باليسرى، كالاستجمار، ومس الذكر، والاستنثار، والامتخاط، ونحو ذلك. اهـ
ولو قيل: إن الأمور ثلاثة:
ما كان ظاهراً أنه من باب التكريم، فتقدم فيه اليمنى.
وما كان ظاهراً أنه من باب الأذى، فتقدم فيه اليسرى.
وما لا يمكن إلحاقه في أحد منهما، فالأصل فيه اليمين،
(182 - 26) لما رواه البخاري، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال:
حدثنا شعبة، قال: أخبرني أشعث بن سليم، قال: سمعت أبي، عن مسروق،
عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، في شأنه كله. ورواه مسلم بنحوه
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (168)، ومسلم (268).
والحديث مداره على الأشعث بن سليم، سمعت أبي يحدث عن مسروق، عن عائشة مرفوعاً.
وقد رواه جماعة عن الأشعث بن سليم على اختلاف في ألفاظهم، من تقديم وتأخير، وزيادة ونقص.
فأحدها لفظ البخاري الذي قدمناه في الباب: " كان النبي يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره في شأنه كله ".
اللفظ الثاني:
ما رواه أحمد (6/ 94) من طريق بهز.
والبخاري (426) من طريق سليمان بن حرب، كلاهما عن شعبة به، بلفظ:
" كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره، وترجله، وتنعله ".
وهو عند مسلم (67 - 268) دون قوله: " ما استطاع " مع تقديم وتأخير.
اللفظ الثالث:
بزيادة: الواو في قوله: " وفي شأنه كله " بلفظ: " كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره في شأنه كله ".
قال الحافظ في الفتح (168): " للأثر من الرواة بغير واو، وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو، وهي التي اعتمدها صاحب العمدة " اهـ.
وهل بين هذه الألفاظ من اختلاف؟
فالجواب: أما على إثبات الواو، فإن الحديث ظاهره، أن التيامن سنة في جميع الأشياء، لا يختص بشيء دون شيء، ولفظ:" كل " صريح في العموم، خاصة وأنه جاء توكيداً بكلمة:" شأنه " المفردة المضافة الدالة على العموم بذاته، فكيف بعد توكيده بكلمة:"كل " إلا أن هذا العموم قد خص منه ما جاء في حديث عائشة أيضاً: " كان يد رسول صلى الله عليه وسلم اليمنى =
لكان هذا القول أقرب إلى الصواب، وأوفق بالدليل، والله أعلم.
= لطهوره ولحاجته، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى " ـ قلت: سنده صحيح ـ فهذا نص أن الأذى والخلاء له اليسرى.
وأما على الرواية بدون واو فليس فيها هذا العموم، قال صاحب الفتح (168): وأما على إسقاطها فقوله: " في شأنه كله " متعلق بـ يعجبه، لا بالتيمن. أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله .. الخ أي لا يترك ذلك سفراً ولا حضراً ولا في فراغه، ولا شغله، ونحو ذلك".
وجاء في بعض ألفاظ الحديث من دون قوله: " في شأنه كله " فقد رواه أحمد (6/ 147) عن محمد بن جعفر، ورواه أيضاً (6/ 202) عن يحيى بن سعيد القطان.
وأخرجه البخاري (5926) عن أبي الوليد، ومن طريق عبد الله بن المبارك (5380) كلهم عن شعبة به بدون قوله " في شأنه كله ".
ورواه مسلم (268) والترمذي (608) من طريق أبي الأحوص عن أشعث به. بدون ذكرها، والراجح والله أعلم أنها محفوظة، لأن محمد بن جعفر، وعبدان قد صرحا في آخر الحديث عن شعبة بأن أشعث كان قد قال بواسط:" في شأنه كله " فبين شعبة أن كلمة " في شأنه كله " ثبتت في السماع القديم، والسماع القديم مقدم على غيره.