الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
شد عصابة الفرج عند الوضوء
ذهب الحنفية
(1)
والشافعية
(2)
والحنابلة
(3)
إلى أنه يجب على المستحاضة
(1)
قال في البحر الرائق (1/ 227): " ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو، أو كان لو جلس لايسيل، ولو قام سال وجب رده ".
وقال ابن الهمام في شرح فتح القدير (1/ 185): " ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو، أو كان لو جلس لا يسيل، ولو قام سال وجب رده، فإنه يخرج برده عن أن يكون صاحب عذر ". اهـ وانظر مراقي الفلاح (ص 60).
(2)
قال النووي في الروضة (1/ 137): " فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم، وتحشوه بقطنة أو خرقة دفعاً للنجاسة وتقليلاً، فإن اندفع به الدم، وإلا شدت مع ذلك خرقة في وسطها، وتلجمت بأخرى مشقوقة الطرفين، فكل هذا واجب إلا أن تتأذى بالشد أو تكون صائمة، فتترك الحشو وتقتصر على الشد ".
وقال في مغني المحتاج (1/ 111): " تشده - يعني فرجها - بعد غسله بخرقة مشقوقة الطرفين، تخرج أحدهما من أمامها والآخر من خلفها، وتربطهما بخرقة تشدها على وسطها كالتكة، فإن احتاجت في رفع الدم أو تقليله إلى حشو بنحو قطن، وهي مفطرة، ولم تتأذى به وجب عليها أن تحشو قبل الشد والتلجم، وتكتفي به إن لم تحتج إليهما، أما إذا كانت صائمة أو تأذت باجتماعه فلا يجب عليها الحشو".
وقال أيضاً (1/ 112): " ويجب تجديد العصابة، وما يتعلق بها من غسل وحشو في الأصح، قياساً على تجديد الوضوء.
والثاني: لايجب تجديدها، لأنه لا معنى للأمر بإزالة النجاسة مع استمرارها، ومحل الخلاف إذا لم يظهر الدم على جوانب العصابة، ولم تزل العصابة عن موضعها زوالاً له وقع، وإلا وجب التجديد بلا خلاف؛ لأن النجاسة قد كثرت مع إمكان تقليلها.
وانظر كلام النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 25).
(3)
قال: ابن قدامة في المغني (1/ 421):" والمستحاضة تغسل المحل، ثم تحشوه بقطن أو =
أن تشد فرجها وتعصبها،
وهل يجب عليها ذلك في كل صلاة؟ على الخلاف السابق في غسل الفرج.
الأدلة على وجوب التلجم والتحفظ.
الدليل الأول:
(419 - 263) ما رواه مالك في الموطأ، قال: عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر، قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت فلتغتسل، ثم لتستثفر، ثم لتصلي
(1)
.
[والحديث رجاله ثقات، إلا أنه أعل بالانقطاع، وفي إسناده اضطراب]
(2)
.
= ما أشبهه ليرد الدم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم:" أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم "، فإن لم يرتد الدم بالقطن استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج ".
ثم قال: " فإذا فعلت ذلك، ثم خرج الدم، فإن كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة، وإن كان لغلبة الخارج وقوته، وكونه لايمكن شده أكثر من ذلك لم تبطل الطهارة؛ لأنه لايمكن التحرز منه، فتصلي ولو قطر الدم ".
(1)
الموطأ (1/ 62).
(2)
الحديث فيه اختلاف في إسناده.
فقيل: عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وقيل: عن سليمان، عن رجل، عن أم سلمة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقيل: عن سليمان، أن فاطمة بنت حبيش استحيضت، فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: عن سليمان، عن مرجانة، عن أم سلمة.
أما رواية سليمان بن يسار، عن أم سلمة مرفوعاً .. فرواها أيوب، عن سليمان به.
ورواه نافع عن سليمان، واختلف على نافع:
فرواه مالك عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية أيوب عن سليمان.
وخالف مالك جماعة، منهم الليث، وصخر بن جويرية، وجويرية بن أسماء، وإسماعيل بن إبراهيم ابن عقبة، كل هؤلاء رووه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل، عن أم سلمة، فجعلوا بين سليمان، وبين أم سلمة رجلاً مبهماً.
ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع بالوجهين: تارة يذكر بين سليمان وأم سلمة واسطة كرواية الجماعة، وتارة لا يذكر واسطة كرواية مالك وأيوب.
وقد يقدم مالك على غيره لولا رواية عبيد الله بن عمر العمري، فلا أجد مرجحاً بين الروايتين، وعبيد الله بن عمر مقدم على مالك في نافع عند أكثرهم.
وأما رواية سليمان عن مرجانة، عن أم سلمة.
فرواها البيهقي (1/ 334) من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، به.
وأما رواية سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، حتى كان المركن ينقل من تحتها، وأعلاه الدم. قال: فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي صلى الله عليه وسلم. فرواه حماد بن زيد عن أيوب، عن سليمان بن يسار به عند الدارقطني (1/ 208)، وقد سبق لك رواية مالك عن أيوب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 118) حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: سئل له النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تذكر أم سلمة. ومن طريق إسماعيل أخر جه الدارقطني (1/ 208).
فرجح بعض العلماء أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.
قال البيهقي (1/ 333): هذا حديث مشهور، أودعه مالك بن أنس الموطأ، وأخرجه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبو داود في كتاب السنن، إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.
وكذا قال المنذري. وخالفهما ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 333)، فقال:" أخرجه أبو داود في سننه من حديث أيوب السختياني، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية مالك، عن نافع،. وقد ذكره البيهقي فيما بعد. قال صاحب الإمام: وكذلك رواه أسيد، عن الليث. وراه أسيد أيضاً عن أبي خالد الأحمر: سليمان بن حيان، عن الحجاج بن أرطاة، كلاهما عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. وذكر صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة، فيحتمل أنه سمع هذا الحديث منها، ومن رجل عنها " اهـ
قلت: هذا احتمال، والاحتياط للرواية ألا يقبل فيها ما كان من باب الاحتمالات، فالاحتمال غالباً يسقط الدليل لا يقويه.
وقال النووي: إسناده على شرطهما. اهـ والنووي رحمه الله على طريقة الفقهاء يحكم دائماً للزيادة سواء كانت في الاسناد أو في المتن، فإذا أرسله جماعة، ووصله ثقة، أو أوقفه بعضهم ورفعه آخر، أو زاد لفظة لا يذكرها غيره ممن روى هذا الحديث، اعتبر النووي الاتصال، والرفع، والزيادة مقبولة، وهذا لا يتأتى على منهج جمهور أهل الحديث.
هذا فيما يتعلق بالحديث على سبيل الإجمال، وإليك تخريج ما ذكر على سبيل التفصيل:
تخريج الحديث
أما رواية أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة:
فأخرجها أحمد (6/ 321، 322) حدثنا، عفان، حدثنا وهيب، قال: ثنا أيوب، عن سليمان ابن يسار، عن أم سلمة بلفظ: أن فاطمة استحيضت، وكانت تغتسل في مركن لها، فتخرج، وهي عالية الصفرة والكدرة، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تنظر أيام قرئها، أو أيام حيضها، فتدع الصلاة، وتغتسل فيما سوى ذلك، وتستثفر بثوب، وتصلي "
وليس في هذا اللفظ موضع شاهد للباب، وهو قوله:" قبل أن يصيبها الذي أصابها الذي أصابها ".ولم يرد هذا اللفظ إلا في روية مالك عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وأخرجه أبوداود (278) حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب به.
وأخرجه الدارقطني (1/ 208) من طريق معلى بن أسد، أخبرنا وهيب به.
وقرنه برواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها، وأعلاه الدم، فأمرت أم سلمة تسأل لها النبي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صلى الله عليه وسلم
…
. وذكر الحديث. وأخرجه الدارقطني (1/ 207) من طريق سفيان، وأخرجه أيضاً (1/ 208) من طريق عبد الوارث، كلاهما عن أيوب به.
أما رواية نافع، عن سليمان عن رجل عن أم سلمة
فرواه أبو داود (275) حدثنا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب، قالا: حدثنا الليث، عن نافع به. ومن طريق الليث أخرجه البيهقي (1/ 333).
وأخرجه أبو داود (277) حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا صخر بن جويرية، عن نافع به. ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (1/ 333). وأخرجه الدارقطني (1/ 217) من طريق ابن مهدي، عن صخر بن جويرية به.
وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (113) حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي. وأخرجه البيهقي (1/ 333) من طريق جويرية بن أسماء، ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، فرقهما، عن نافع به.
واختلف على نافع:
فرواه الليث، وصخر بن جويرية، وجويرية بن أسماء، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، كلهم رووه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل، عن أم سلمة.
وخالفهم مالك، فرواه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. أخرجها مالك في الموطأ (1/) وأحمد في المسند (6/ 320) قرأت على عبد الرحمن، مالك به.
وأخرجه أبو داود (274) حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا مالك به.
وأخرجه النسائي (208،355)، وفي الكبرى (214) أخبرنا قتيبة، عن مالك به.
ومن طريق مالك أخر جه البغوي (325).
ورواه عبيد الله بن عمر. واختلف على عبيد الله فيه:
فرواه أبو أسامة، وعبد الله بن نمير، كلاهما، عن عبيد الله، عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، ولم يذكرا واسطة بين سليمان، وبين أم سلمة.
وخالفهما أنس بن عياض، فرواه عن عبيد الله، عن نافع، عن سليمان، عن رجل، عن أم سلمة. فقد رواه ابن أبي شيبة (1/ 118) ح1346 حدثنا ابن نمير، وأبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وأخرجه أحمد (6/ 293) حدثنا ابن نمير، ثنا عبيد الله به. =
وجه الاستدلال:
قوله: " ثم لتستثفر بثوب ".
قال ابن منظور في اللسان: وهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة أو قطنة تحتشي بها، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها فتمنع سيلان الدم وهو مأخوذ من: ثَفَر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها.
وفي نسخة: " وتوثق طرفيها، ثم تربط فوق ذلك رباطاً، تشد طرفيه إلى حقب تشده كما تشد الثفر تحت ذنب الدابة "
(1)
.
وقال في تاج العروس: " والاستثفار أن يدخل الإنسان إزاره بين فخذيه ملوياً ثم يخرجه، والرجل يستثفر بإزاره عند الصراع، إذا هو لواه على فخذيه فشد طرفيه في حجزته وزاد ابن ظفر في شرح المقامات: حتى يكون كالتُّبان، وقد تقدم أن التبان هو السراويل الصغير، لا ساقين له .. الخ كلامه
(2)
.
وورد كذلك التلجم والتحفظ في حديث حمنة بنت جحش،
= وأخرجه النسائي (354) أنبأنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا أبو أسامة به.
وأخرجه ابن ماجه (623) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: ثنا أبو أسامة به. ومن طريق أبي أسامة أخرجه الدارقطني (1/ 217).
وخالفهما أنس بن عياض فرواه عن عبيد الله بن عمر بزيادة الرجل المبهم بين سليمان، وبين أم سلمة. فقد أخرجه أبو داود (276) ومن طريقه البيهقي (1/ 333) حدثنا عبيد الله بن مسلمة، حدثنا أنس بن عياض به.
وأما رواية سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أو سئل لها
…
الحديث. فرواه ابن أبي شيبة (1/ 118) حدثنا أسماعيل بن علية، عن أيوب، عن سليمان به. ومن طريق ابن علية أخرجه الدارقطني (1/ 208). والله أعلم.
(1)
اللسان (4/ 105).
(2)
تاج العروس (6/ 148).
(420 - 264) فقد رواه أحمد، وفيه: فقلت: يا رسول الله، إني استحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، قد منعتني الصلاة والصيام، قال: أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي. قالت: إنما اثج ثجاً
…
الحديث
(1)
.
[والحديث ضعيف]
(2)
.
(1)
المسند (6/ 439)، وبقية الحديث: قال: سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما، فأنت أعلم. فقال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت، واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة، وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء وكما يطهرن بميقات حيضهن وطهرهن وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، وكذلك فافعلي، وصلي وصومي، إن قدرت على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إلي.
(2)
والحديث ضعيف لما يلي:
أولاً: انفرد فيه ابن عقيل، والأكثر على ضعفه.
قال ابن عيينة: أربعة من قريش يترك حديثهم، فذكر ابن عقيل منهم. وسبق أن حررت القول فيه. ومن أخطائه ما رواه أحمد (1/ 102): من طريق حماد بن سلمة، عن ابن عقيل، عن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في سبعة أثواب. فإن هذا مخالف لما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب.
ثانياً: أن أحاديث الصحيحين ترد المستحاضة إلى عادتها، وحديث ابن عقيل يردها إلى غالب النساء لا إلى عادتها ولا إلى التمييز، ولا أعلم له متابعاً، فانفراده بمثل هذا الحكم لايجعل مقدماً على حديث الصحيحين.
فهذه قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش صريحة بردها إلى عادتها، فقد روى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= البخاري (306): من طريق مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله إني لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي. فقوله: فإذا ذهب قدرها صريح بردها إلى العادة.
ورواه البخاري (325) من طريق أبي أسامة عن هشام به بلفظ: " ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ".
ورواه ابن حبان (1355) بسند صحيح من طريق أبي عوانة عن هشام به بلفظ: "تدع الصلاة أيامها".
ورواه البخاري (320): من طريق ابن عيينة عن هشام به: " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ".
ورواه مسلم (333) من طريق وكيع عن هشام به بنفس اللفظ، إلا أنه قال:" فاغسلي عنك الدم وصلي "، والمقصود بالإقبال والإدبار: إقبال وقت الحيض وإدبار وقته جمعاً بينه وبين ما سبق. كما أن أم حبيبة قد ردها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عادتها.
فقد روى مسلم (65 - 434) عن عائشة رضي الله عنها قال: إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم؟ فقالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دماً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي ".
فهذه أحاديث الصحيحين ظاهرها ترد المستحاضة إلى عادتها.
وهنا حديث ابن عقيل رحمه الله ردها إلى غالب الحيض، فقال:"تحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام"، فلم يردها إلى عادتها، وقد تكون عادتها أكثر أو أقل، ولم يردها إلى التمييز.
وقد قال الخطابي في معالم السنن (1/ 183):
" إنما هي امراة مبتدأة لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر، والأمر الغالب من أحوال النساء، كما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن
…
الخ ".
قلت: أين الدليل من الحديث على أنها مبتدأة، هذا أولاً.
وثانياً: أنها لاتستطيع أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
فهذا لاسبيل إليه من الحديث، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسألها هل أنت مبتدأة؟ وهل لك عادة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مستقرة من قبل؟ وهل تميزين بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة؟
فلو وقع ذلك لكان له وجه في حمل الحديث على المبتدأة غير المميزة، ولما كانت هناك مخالفة لأحاديث الصحيحين، ولكن لما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاستفصال في مقام الاحتمال نزل منزلة العموم في المقال.
فالحديث ظاهره رد المستحاضة مطلقاً إلى عادة النساء.
ثالثاً: أن الحديث أمرها في الجمع بين الصلوات، وأحاديث المستحاضة في الصحيحين من أحاديث عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش وأم حبيبة لم يرشدها إلى الجمع. كما أن الحديث دليل على من يقول بالجمع الصوري. وقد يستدل بهذا الحديث لو ثبت على من ينكر الجمع في الإقامة والسفر إلا في عرفة، ويحمل الأحاديث على الجمع الصوري، وهو تأخير أولى الصلاتين وتعجيل الثانية، فالأولى في آخر الوقت، والثانية في أول الوقت، وإنما قصد من الجمع لأهل الاعذار التخفيف عليهم، والجمع في هذه الصورة فيه حرج ومشقة، ومن يعلم الوقت ودقته، والناس في ذلك الوقت لم يكن لديهم ساعات كما هي الحال في هذا العصر، حتى يوقع أولى الصلاتين في آخر الوقت، بينما تقع الصلاة الثانية في أول الوقت
كلام أهل العلم في الحديث:
ضعفه أبو حاتم في العلل (1/ 51) ح123، قال ابنه: سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد، عن عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض، فوهنه، ولم يقو إسناده.
وضعفه الدارقطني كما في شرح ابن رجب للبخاري (2/ 64)، ولم أجده في السنن له، لكن قال محققوا شرح ابن رجب إنه موجود في كتاب العلل الدارقطني، وأحالوا على (5 ب / ق 101ـأ)
وفي تلخيص الحبير (1/ 288): " وقال ابن منده: لايصح بوجه من الوجوه؛ لأنهم أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل ".
وحمل الحافظ قول ابن منده بكونهم أجمعوا على ترك حديثه يعني مَنْ خرج الصحيح، فليس له في الصحيحين رواية.
وقال البيهقي: تفرد به ابن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به.
وأما الإمام أحمد .. فاختلف النقل عنه، والراجح عنه تضعيفه.
قال الترمذي (1/ 226): سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صحيح، وقال: يعني الترمذي: وهكذا قال أحمد: هو حديث حسن صحيح.
فهذا النقل من الترمذي عن أحمد، لايقدم على نقل أبي داود، فإن أبا داود من تلاميذ أحمد الملازمين له، وله عنه مسائل مشهورة. فقد قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث في السنن (287) قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء.
وقال ابن رجب في شرحه للبخاري (2/ 64): والمعروف عن الإمام أحمد، أنه ضعفه، ولم يأخذ به، وقال: ليس بشيء.
وقال مرة: ليس عندي بذلك، وحديث فاطمة أصح منه وأقوى إسناداً، يعني: أنه لم يردها إلى غالب النساء بل ردها إلى العادة.
وقال أحمد أيضاً: في نفسي منه شيء.
ولكن ذكر أبو بكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة، والأخذ به!!. اهـ كلام ابن رجب رحمه الله
قلت: والقول بالحديث، والأخذ به لايعني صحته في نفسه ما لم يصرح المحدث بأنه صحيح، وكم من حديث ضعيف في الترمذي ويصرح الترمذي بأن العمل عليه، ولايعني كون العمل عليه أن يكون صحيحاً في نفسه، وأقربها عندي حديث:"الماء طهور لاينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه ولونه وريحه"،فالاستثناء لايثبت من جهة الحديث، والعمل عليه.
فقول أبي بكر الخلال بأن أحمد يقول بحديث حمنة ويأخذ به ليس صريحاً في كونه صحيحاً عنده.
وفي التمهيد لابن عبد البر (16/ 61): " قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: في الحيض حديثان، والآخر في نفسي منه شيء، قال أبو داود: يعني أنه في الحيض ثلاثة أحاديث، هي أصول هذا الباب:
أحدها: حديث مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار.
والآخر: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
والثالث: والذي في قلبه منه شيء، وهو حديث حمنة بنت جحش الذي يرويه ابن عقيل".
وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 183): " وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك ". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وصححه البخاري، قال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح.
لكن البيهقي نقل عبارة البخاري بأتم مما نقل الترمذي إلا أنه ساقها بلاغاً.
قال البيهقي (1/ 339): بلغني عن أبي عيسى الترمذي، أنه سمع محمد بن إسماعيل البخاري يقول: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟ وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح.
والبلاغ ضعيف للجهل بالواسطة بين البيهقي والترمذي.
وقد أجاب الشوكاني بجواب واضح فقال في النيل (1/ 338): إبراهيم بن طلحة مات سنة 110 هـ عشر ومائة فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وعلي بن المديني، وخليفة بن خياط، وهو تابعي سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة. وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والربيع بنت معوذ، فكيف ينكر سماعه من محمد بن إبراهيم بن طلحة لقدمه، وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم، وهم نظراء شيوخه في الصحبة، وقريب منهم في الطبقة، فينظر في صحة هذا عن البخاري " اهـ.
تخريج الحديث:
الحديث كما سبق مداره على ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران ابن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش.
ويرويه عن ابن عقيل زهير بن محمد الخرساني، وشريك بن عبد الله النخعي، وعبيد الله ابن عمر الرقي، وعمرو بن ثابت، وإبراهيم بن أبي يحيى.
أما رواية زهير بن محمد عن ابن عقيل:
فأخرجها أحمد (6/ 439): حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: ثنا زهير - يعني ابن محمد الخرساني - عن عبد الله بن محمد - يعني: ابن عقيل بن أبي طالب به.
وأخرجه أبو داود (287): حدثنا زهير بن حرب وغيره، قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو به.
وأخرجه الترمذي (128): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر العقدي (عبد الملك ابن عمرو) به. =
وجه الاستدلال:
قوله: "تلجمي"، قال ابن منظور في اللسان: تلجمت المرأة، إذا استثفرت لمحيضها. واللجام: ما تشده الحائض، وفي حديث المستحاضة:"تلجمي " أي شدي لجاماً، وهو شبيه بقوله:" استثفري " أي: ألجمي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم، تشبيهاً بوضع اللجام في فم الدابة
(1)
.
وقال: نحوه في تاج العروس
(2)
.
وكانت النساء تستثفر ولو لم تجب عليها الصلاة حرصاً على عدم تلوثها
= وأخرجه الدارقطني (1/ 214) من طريق أبي عامر العقدي. ورواه الحاكم، ومن طريقه البيهقي (1/ 238) عن زهير بن محمد، وعبيد الله بن عمرو الرقي، عن ابن عقيل به، إلا أنه ليس فيه الاغتسال لصلاة الفجر.
وأما رواية شريك بن عبد الله عن ابن عقيل.
أخرجه أحمد (6/ 381): ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك بن عبد الله، عن ابن عقيل به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 120) ح 1364، ومن طريقه ابن ماجه (627) حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك به، ولم يذكر غسل الفجر.
وأخرجه الدارقطني (1/ 214) من طريق يزيد بن هارون به.
وأما رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن ابن عقيل.
فأخرجها الدارقطني (1/ 215)، والحاكم (1/ 172)، والبيهقي (1/ 238).
وأما رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ابن عقيل.
رواه الشافعي في الأم (1/ 60) ومن طريقه الدارقطني (1/ 215).
وأما رواية عمرو بن ثابت عن ابن عقيل.
فرواها الدارقطني (1/ 215).
(1)
اللسان (12/ 534).
(2)
تاج العروس (17/ 639).
في الدم.
(421 - 265) فجاء في حديث جابر عند مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري، وأحرمي
(1)
، والله أعلم.
(1)
صحيح مسلم (147 - 1218).