الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المال أو العرض، ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَال: "فَلَا تُعْطِهِ مَالكَ" قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَال: "قَاتِلْهُ" قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَال: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ" قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ قتلْتُهُ قَال: "هُوَ فِي النَّارِ"(1).
حالات الضرورة التي يباح فيها المحظور: ضرورة الغذاء (الجوع والعطش)، والدواء، والإكراه، والنسيان، والجهل والعسر أو الحرج وعموم البلوى، والسفر والمرض، والنقص الطبيعي (2).
ويلحق بهذه القاعدة قاعدة أخرى هي بمثابة ضابط لها وهي: (الضرورات تبيح المحظورات) أي أن المباح من فعل المحظورات يكون قدر حاجة الإنسان بحيث ينتفي الضرر الذي يهدده، فلا يتجاوز هذا القدر، وإلا وقع في المعصية، كالمقبل على الهلاك من العطش فلا يجوز له أن يشرب الخمر فوق ما يكسر عطشه ويخلصه من الموت، فإن فعل ذلك فإنه آثم ويتحمل وزر شرب الخمر (3).
صور السماحة في الإسلام
أولًا: سماحة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين:
إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وهو صلى الله عليه وسلم مثال للكمال البضري في حياته كلها، مثال للكمال في علاقته بربه وفي علاقته بالناس كلهم بمختلف أجناسهم وأعمارهم وألوانهم، مسلمين وغير مسلمين، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:"وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا سَهْلًا"(4).
أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفًا ميسرًا في الخلق (5).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عنه وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ
(1) مسلم (140).
(2)
القواعد الفقهية الكبرى (260).
(3)
اليسر والسماحة في الإسلام تحت فصل بعنوان "القواعد الشرعية المستنبطة من النصوص الواردة في اليسر".
(4)
مسلم (1213).
(5)
شرح النووي (4/ 422).
حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ للهَّ بِهَا" (1).
بمثل هذه القيم كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم يسر في كل شيء وذود عن حرمات الله لا عن عَرَضِ الدنيا أو أهواء النفوس. وتعدد صور السماحة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين وشواهد ذلك من سيرته لا تحصر منها ما يلي:
1) رحمته صلى الله عليه وسلم بالخلق عامة. وذلك تصديقًا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (107)} (الأنبياء: 107). وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرْحَمُ الله مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ"(2).
فكلمة: "العالمين" وكلمة "الناس" عامة تشمل كل العالمين وكل الناس، فدين الإسلام دين السماحة والرحمة يسع الناس كلهم ويغمرهم بالرحمة والإحسان.
2) تجاوزه عن مخالفيه ممن ناصبوا له العدا، . وهذا له من الأمثلة ما يصعب حصرها وتعدادها فمنها: لما فتح مكة فكان موقفه فيها غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربًا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"(3).
ومنها سماحته صلى الله عليه وسلم مع لَبِيد بن الأعصم الذي سحره في مشط ومشاطة وحف طلع نخل ذكر في بئر زروان، وحينما أخبر عائشة بذلك قالت له: أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ قَال: "قَدْ عَافَانِي الله فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ"(4).
ومنها سماحته مع زعيم المنافقين عبد الله بن أُبيِّ بن سلول الذي تحمل قصة الإفك ومع ذلك فقد عفا عنه صلى الله عليه وسلم، وحينما مات عبد الله بن أُبيِّ غطاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقميصه واستغفر له حتى نزل قوله:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (التوبة: 80)(5).
(1) البخاري (3560)، مسلم (2327).
(2)
البخاري (7376).
(3)
السيرة النبوية لابن كثير نقلًا عن ابن إسحاق (3/ 570).
(4)
البخاري (5763)، مسلم (2189).
(5)
البخاري (1269)، ومسلم (2400).
ومنها سماحته مع مشركي قريش في صلح الحديبية حيث تنازل عن كتابة صفته في كتاب المصالحة كما ترجحت عنده المصلحة في ذلك لما جاءه سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَال: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَاتِبَ فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قَال سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَالله مَا أَدْرِي مَا هي، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَال المُسْلِمُونَ: وَالله لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهمَّ" ثُمَّ قَال: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُوُلُ الله "فَقَال سُهَيْلٌ: وَالله لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَالله إِنِّي لَرَسُولُ الله وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله"(1).
3) دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمخالفيه من غير المسلمين. ومثال ذلك، لما قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالوا: يَا رَسُولَ الله إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ الله عَلَيْهَا فَقِيلَ هَلَكَتْ دَوْسٌ قَال: "اللهمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ"(2). وكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة قبل إسلامها فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ الله أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ" فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المُاءِ قَال: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
…
" (3) الحديث.
ومن صور الدعاء أيضًا ما كَانَ من الْيَهُودُ حديث كانوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري (2731).
(2)
البخاري (6397)، مسلم (2524).
(3)
مسلم (2491).
رجاء أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ الله فَيَقُولُ: "يَهْدِيكُمُ الله وَيُصْلِحُ بَالكُمْ"(1).
4) وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هدايا مخالفيه من غير المسلمين. فقبل هدية زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم في خيبر حيث أهدت له شاة مشوية قد وضعت فيها السم (2).
5) وكان صلى الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُمْ: "يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" فَقَالوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَال لهم رسول الله: ذَلِكَ أُرِيدُ، ثُمَّ قَالهَا الثَّانِيَةَ، فَقَالوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَال الثَّالِثَةَ، فَقَال:"اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ للهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الْأَرْضُ للهِ وَرَسُولِهِ"(3).
6) وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "صِلي أُمَّكِ"(4). ولما تأسس المجتمع الإسلامي الأول وعاش في كنفه اليهود بعهد مع المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى نقضوا العهد وخانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من يعيشون بين المسلمين يحترمون قيمهم ومجتمعهم وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم المعاهدين أو انتقاصهم فقال صلى الله عليه وسلم:"أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(5).
وشدد الوعيد على من هتك حرمة دمائهم فقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ
(1) الترمذي (2739)، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1277).
(2)
البخاري (2617).
(3)
البخاري (6944)، مسلم (1765) بنحوه.
(4)
البخاري (2620)، مسلم (1003).
(5)
أخرجه أبو داود (3/ 497/ 3047)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 205/ 1811)، عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء الصحابة عن آبائهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2655).
الْجنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا (1). وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا"(2).
صور من سماحة الصحابة والتابعين في معاملة غير المسلمين: تاريخ الإسلام شاهد على أن المسلمين لم يكرهوا أحدا في أي فترة من فترات التاريخ على ترك دينه، فالإسلام دين العقل والفطرة ولا يقبل من أحد أن يدخله مكرها، تحدى الأولين والآخرين بمعجزته الخالدة، ولم يعرف في تاريخ المسلمين الطويل أنهم ضيقوا على اليهود والنصارى أو غيرهم أو أنهم أجبروا أحدا من أي طائفة من الطوائف اليهودية أو النصرانية على اعتناق الإسلام. يقول توماس آرنولد:"لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي"(3).
ولقد كان عهد الخلفاء الراشدين امتدادا لعهد النبي صلى الله عليه وسلم وشهد صورا من سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين من إعانتهم بالمال أو النفس عند الحاجة، ومن كفالة العاجز منهم عن العمل أو كبير السن، وغير ذلك. وهذا هو عين ما سار عليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في صدر الإسلام في معاملتهم لأهل الذمة، وأسوق هنا بعض الشواهد والأمثلة التي تبين سماحة الصحابة رضي الله عنهم في معاملة غير المسلمين.
1) في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق -وكانوا من النصارى-: "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه؛ طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"(4).
(1) البخاري (3166)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 61/ 111)، وعبد الرزاق في مصنفه (19375)، والحاكم في المستدرك (2/ 553)، وصححه، وصححه الألباني في الصحيحة (1374).
(3)
سماحة الإسلام نقلًا عن كتاب "الدعوة إلى الإسلام" لـ توماس آرنولد.
(4)
انظر: سماحة الإسلام.
إن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يرضى أن يذل رجل من أهل الذمة وهو يحيا في كنف الإسلام فيعيش على الصدقة يتكفف الناس ولكن الإسلام يحميه ويكرمه ويوجب على الدولة أن تعوله وتعول عياله.
2) وكان أبو بكر رضي الله عنه يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: "وستمرون على قوم الصوامع رهبانا يزعمون أنهم ترهبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم"(1).
3) وأوصى عمر رضي الله عنه الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم (2).
4) ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ (3) له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه (4).
5) ومن السماحة أن يراعى في معاملتهم كل مصلحة وقصد صحيح فعن عبد الله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مع أبي عبيدة مقدمه من الشام فبينما عمر يسير إذ لقيه (المُقلَّسون)(5) من أهل أذرعات بالسيوف والريحان فقال عمر رضي الله عنه: مه ردوهم وامنعوهم فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم أو كلمة نحوها وإنك إن تمنعهم
(1) فتوح الشام للواقدي (1/ 8)، باب: وصية أبي بكر.
(2)
البخاري (1392).
(3)
معنى رضخ: أعطاه عطاءً غير كثير القاموس المحيط (1/ 374/ مادة رضخ).
(4)
كتاب الخراج لأبي يوسف (صـ 126).
(5)
هم الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا وصل البلد انظر "النهاية"(4/ 100).
منها يروا أن في نفسك نقضا لعهدهم فقال: دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة (1).
6) وعن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: "يا غلام، إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم اليهودي: أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا أو رؤينا أنه سيورثه"(2).
7) وفي خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى عدي بن أرطأة: وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه (3).
8) وعندما أمر عمر بن عبد العزيز مناديه ينادى: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، قام إليه رجل ذمي من أهل حمص فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي. والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد وكتب لي بها سجلا، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد قم فاردد عليه ضيعته فردها عليه ثم تتابع الناس في رفع المظالم إليه (4).
9) وفي عهد الرشيد كانت وصية القاضي أبي يوسف له بأن يرفق بأهل الذمة حيث يخاطبه بقوله: "ينبغي يا أمير المؤمنين أيدك الله أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم"(5).
(1) كتاب الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام (صـ 166)، وهذه الجملة الأخيرة تواضع من عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين للحق الذي قاله أمير الجيوش أبو عبيدة بن الجراح، فلله درهم من رجال!
(2)
الأدب المفرد (62/ رقم 128)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (95).
(3)
الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام صـ 50.
(4)
البداية والنهاية (9/ 239).
(5)
الخراج، أبو يوسف صـ 125.