الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما: تصفية الأرواح، وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بالسلطة الغيبية للمخلوقات وقدرتها على التصرف في الكائنات لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها أو لما هو دونها في استعدادها وكمالها.
وثانيهما: إصلاح القلوب بحسن القصد في جميع الأعمال، وإخلاص النية لله وللناس. فمتى حصل الأمران انطلقت الفطرة من قيودها العائقة لها عن بلوغ كمالها في أفرادها وجمعياتها.
وهذان الأمران هما روح المراد من كلمة الإسلام. أما أعمال العبادات:
فإنما شرعت لتربية هذا الروح الأمري في الروح الخلقي، ولذلك شرط فيها النية والإخلاص، ومتى تربى سهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الأدبية والمدنية التي يصل بها إلى المدينة الفاضلة وتحقيق أمنية الحكماء (1).
وقيل الإسلام: هو علم بالغلبة على مجموع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما أطلق على ذلك الإيمان أيضًا (2).
فمضمون الإسلام هو توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بجميع المرسلين مع الإيمان بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج والإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله.
المطلب الثاني: الإسلام هو دين الفطرة
.
قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم: 30].
أي: إذا تبين لك أحوال المعرضين عن دلائل الحق فأقم وجهك للدين. وإقامة الوجه تقويمه وتعديك باتجاهه قبالة نظره غير ملتفت يمينًا ولا شمالًا. فأقم وجهك لدين الإسلام حنيفًا وهو الميل عن الباطل أي العدول عنه بالتوجه إلى الحق فطرة الله، والفطرة
(1) تفسير المنار (3/ 257) بتصرف.
(2)
تفسير ابن عاشور (3/ 190).
أصلها اسم هيئة وهو الخَلْق مثل الخلقة كما بينه قوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم: من الآية 30). والمعنى: فطر الناس على الدين الحنيف أن الله خلق الناس قابلين لأحكام هذا الدين، وجعل تعاليمه مناسبة لخلقتهم، غير مجافية لها غير نائين عنه، ولا منكرين له، مثل إثبات الوحدانية لله لأن التوحيد هو الذي يسوق العقل والنظر الصحيح، حتى لو ترك الإنسان تفكيره ولم يلقن اعتقادًا ضالًا؛ لاهتدى إلى التوحيد بفطرته. فالفطرة هي الخلقة والهيئة التي في نفس الإنسان التي هي معدّة ومهيَّئة لأن يميز بها مصنوعات الله ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه.
فالله عز وجل خلق الناس سالمة عقولهم مما ينافي الفطرة من الأديان الباطلة والعادات الذميمة، وأن ما يدخل عليهم من الضلالات ما هو إلا من جراء التلقي والتعود وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"(1).
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: "وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِلْ بِهِ سُلْطَانًا
…
(2).
فوصف الإسلام بأنه فطرة الله معناه أن أصل الاعتقاد فيه جاء على مقتضى الفطرة العقلية.
وأما تشريعاته وتفاريعه فهي إما أمور فطرية أيضًا أي: جارية على وفق ما يدركه العقل ويشهد به، وإما أن تكون لصلاحه مما لا ينافي فطرته، وقوانين المعاملات هي راجعة إلى ما تشهد به الفطرة لأن طلب المصالح من الفطرة.
واعلم أن شواهد الفطرة قد تكون واضحة بينة وقد تكون خفية، فالفطرة وهي الإسلام تسمى أيضًا بالضرورات العقلية وهي التي لا يستغني عنها أحد ولا يحاول في
(1) البخاري (1358)، مسلم (2658).
(2)
مسلم (2865).
التصديق بها والتحاكم إليها إلا من فقد عقله، وطمست بصيرته، ومسخت فطرته، وارتضى لنفسه طريق العناد والاستكبار (1).
لذا فإن الإسلام دين كل الأنبياء؛ فالإسلام ليس اسمًا لدين خاص؛ وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
فدين الله الذي بعث به أنبياءه من أولهم إلى آخرهم دين واحد هو دين الإسلام.
فلا يجوز التفريق بين رسل الله قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 150 - 152] فهذا نوح عليه السلام يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72]. وهذا إبراهيم: {إِذْ قَال لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَال أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ} [البقرة: 131]. وهذا يعقوب يوصي بنيه فيقول: {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَال لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132، 133]. ويوسف عليه السلام يقول: {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
وعن الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام قالوا: {آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111].
وقال محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر: 12](الزمر: 12). فالإسلام هو ما بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين من لدن نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (2).
(1) راجع: الفصل لابن حزم (1/ 43)، وتفسير ابن عاشور (21/ 87)، وشرح العقيدة الطحاوية (1/ 34).
(2)
راجع: فتاوى ابن تيمية (19/ 95)، وتفسير القرطبي (15/ 232)، وتفسير ابن عاشور (6/ 9). =