الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمسيح- بالمسيح عليه السلام لم تتجاوز كونه عبد الله، وكونه نبيا كموسى عليه السلام، حيث استشهد بطرس ببشارة واردة في التوراة يقول فيها الله تعالى لموسى أن يقول لبني إسرائيل:"إِنَّ نَبِيًّا مِثلي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ" فاعتبر البشارة متعلقة بالمسيح، مما يعني كون المسيح عليه السلام في اعتقاده نبيًّا مثل موسى عليه السلام، والمثلية هذه تؤكد كون عيسى عبدًا رسولًا وبشرًا نبيًّا كما كان موسى عبدًا رسولًا وبشرًا نبيًّا.
القسم الثالث عشر وهو معضد لما سبق: نصوص تثبت أن أم عيسى وأصحابه لا يعلمون المعتقد، فكيف عرفه من لم يره
؟ !
مما يدل على أن الفكرة لا علاقة لها بالمسيح ولا أتباعه، بل هي من مخترعات لاحقة لذلك العهد، وذلك يكفي للإعلان عن بطلانها.
وفي ذلك نصوص كثيرة منها:
1 -
عدم معرفة أمه العذراء البتول بألوهيته: إذ لما كان المسيح راجعا مع والدته ويوسف النجار حصل ما يدل على جهل والدته بمقامه، فإن جهلت والدته الطاهرة ألوهيته، فمن ذا الذي يعلمها، فقد جاء في لوقا:"وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. 44 وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. 45 وَلمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ. 46 وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الهيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ المُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلهُمْ. . . يَا بُنَيَّ، لمِاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ! "(لوقا 2/ 41 - 48)، فلو كانت مريم تعلم أن ابنها هو الله أو ابنه لما كان لهذا الخوف على المسيح أي معنى.
2 -
ويجيب المسيح سؤال أمه ويوسف النجار بقوله: "لِمَاذَا كُنْتُما تَطْلُبَانِنِي؟ أَلمْ تَعْلَمَا أنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟ "، فهل فهمت البتول وزوجها من جوابه بأنه يتحدث عن ألوهيته وبنوته الحقيقية للآب؟ بالطبع: لا فهما لا يعرفان شيئًا عن هذا المعتقد الغريب. يقول لوقا: "فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلَامَ الَّذِي قَالهُ لهُمَا"(لوقا 2/ 50).
3 -
وفي مرة أخرى سمعت مريم البتول ورأت فرح سمعان الأورشليمي وهو يحمل
وليدها، ويحمد الله على أن عينيه قد اكتحلتا برؤية المعزي الخلص، لكنها والنجار لم تفهمان ما يقوله، فاكتفيا بعلامات العجب وأمارات الاستغراب، يقول لوقا:"وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ"(لوقا 2/ 33).
4 -
ويذكر يوحنا أن المسيح لما صلب ذهبت والدته لتذرف عليه الدمع. (انظر يوحنا 19/ 25)، أفلم تكن تعلم حين ذاك أن ولدها هو الله أو ابنه، وأن الموت لا يضيره؟
5 -
وسمعان الصفا (بطرس)، أقرب التلاميذ إلى المسيح يقول وهو ممتلئ من الروح القدس:"أَيُّهَا الرِّجَال الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذ الأَقْوَال: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَما أَنْتُمْ أيضًا تَعْلَمُونَ. 23 هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ الله الْمحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي آثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ"(أعمال الرسل 2/ 22)، فَلم يشر في خطبته المهمة -التي كان فيها مؤيدا من الروح القدس- إلى شيء من الألوهية للمسيح، ولم يتحدث عن الناسوت المتأله ولا الإله المتجسد.
6 -
ولما عرض المسيح -متنكرًا بعد الصلب المزعوم: لرجلين من أصحابه قد حزنا بسبب ما تردد عن صلبه، سألهما عن سبب حزنهما فقالا:"يَسُوعَ النَّاصِرِيّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. 20 كيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْموْتِ وَصَلَبُوهُ. 21 وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أنَّهُ هُوَ المُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ."(لوقا 24/ 19 - 21)، فليس في قولهما حديث عن ناسوت مقتول، ولا عن لاهوت متجسد نجا من الموت، إن غاية ما كانوا يرقبونه فيه، أن يكون مخلص إسرائيل، أي المسيح المنتظر الذي بشرت به الأنبياء. يقول القس إبراهيم سعيد عن هذين التلميذين:"إلى الآن لم يؤمنا بلاهوته. . لكننا لا ننكر عليهما أنهما كانا مؤمنين بنبوته"(1).
7 -
وأيضًا عجب منه تلاميذه لما رأوا بعض معجزاته، ولو كانوا يرونه إلها لما كان في
(1) شرح بشارة لوقا، د. إبراهيم سعيد، ص (634).
معجزاته أي عجب، فقد مر يسوع عليه السلام بالشجرة وقد جاع، فقصدها، فلم يجد فيها سوى الورق. فقال: لا يخرج منك ثمرة إلى الأبد، فيبست الشجرة لوقتها، فتعجب التلاميذ" فَقَال لهَا:"لَا يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ! ". فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الحالِ. فَلمَّا رَأَى التَّلَامِيذُ ذلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: "كَيْفَ يَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الحَالِ؟ "(متى 21/ 18 - 22). فدل عجبهم على أنهم كانوا لا يدركون شيئًا مما تعتقده النصارى اليوم من ألوهية المسيح، وإلا فإن إيباس الإله للشجرة ليس فيه ما يدعو لأي عجب.
8 -
وهذا يوحنا المعمدان (يحيى) عليه السلام الذي لم تقم النساء عن مثله. (انظر متى 11/ 11)، يرسل إلى المسيح رسلًا بعد أن عمده ليسألوه "أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي السِّجْنِ بِأَعمالِ المسِيحِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، 3 وَقَال لَهُ: "أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ " 4 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَال لهُمَا: "اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بَما تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: 5 الْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالموْتَى يَقُومُونَ، وَالْمسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. 6 وَطُوبَى لمِنْ لَا يَعْثُرُ فِيَّ"."(متى 11/ 3 - 6). فيحيى المعمداني عليه السلام مع جلالة أمره لم يظن في المسيح أنه أكثر من النبي المنتظر الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل.
9 -
ولما جاءته المرأة السامرية ورأت قدراته وأعاجيبه: "قَالتْ لَهُ الْمرْأَةُ: "يَا سَيِّدُ، أَرَى أنَّكَ نَبِيٌّ! " (يوحنا 4/ 19)، وما زادت على ذلك، فما وبخها ولا صحح لها معتقدها، فكان هذا معتقدًا يعتقده عامة الناس كما اعتقده تلاميذ المسيح وحواريوه.
10 -
وهو ما قاله عنه الأعمى الذي شفاه المسيح ورأى برهان الله على نبوة هذا المبارك "فَقَالوا لَهُ: "كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟ " 11 أَجَابَ ذَاكَ وقَال: إِنْسَانٌ يُقَال لَهُ يَسُوعُ"(يوحنا 9/ 10 - 11)، لكن النصارى اعتقدوا في هذه الحادثة ما لم يعتقده ذاك الذي شفاه المسيح، والذي شهد له بالإنسانية فحسب.
11 -
وكذا الجموع التي رأته كثيرًا في أورشليم، وخرجت لاستقباله لما دخل أورشليم دخول الأبطال، هذه الجموع كانت تعتقد بشريته ونبوته "فقالت الجموع: هذا يسوع
النبي" (متى 21/ 11).
12 -
وها هم أعداؤه عليه السلام من اليهود يلاحقونه، ويطلبون منه آية، فأخبرهم بأنه لن تأتيهم سوى آية يونان النبي (يونس) عليه السلام "حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ:"يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً". 39 فَأَجابَ وَقَال لهُمْ: "جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلَا تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلَّا آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ"(متى 12/ 38 - 39). واليهود، لا ريب أنهم يبحثون عن آية تدل على نبوته التي يدعوهم إلى الإيمان بها، ولو كان ما يدعو إليه الألوهية لما رضوا منه بمثل آية يونان، بل ولطالبوه بآيات أعظم من آية يونان، وغيره من الأنبياء.
13 -
وفيما أحد الفريسيين يرقب المسيح متشككًا بنبوته تقدمت إليه امرأة خاطئة باكية تمسح رجليه بشعرها، تقبلهما وتدهنهما بالطيب، "فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، تكلم في نفسه قائلًا: لو كان هذا نبيًّا لعلم من هذه المرأة التي تلمسه؟ وما هي؟ إنها خاطئة"(لوقا 7/ 39). لقد استنكر في نفسه نبوة -لا ألوهية- هذا الذي يجهل حال الخاطئة، مما يؤكد أن دعواه عليه السلام بينهم إنما كانت النبوة فحسب.
14 -
ولما أراد اليهود قتله، كانت جريمته عندهم دعواه النبوة، لا الربوبية، فقد قالوا لنيقوديموس:"ألعلك أنت أيضًا من الجليل؟ فتّش وانظر. إنه لم يقم نبي من الجليل"(يوحنا 7/ 52)، إنهم يكذبونه في دعواه النبوة، وهو من الجليل التي لم يسبق أن أتى منها نبي.
15 -
والشيطان أيضًا لم ير في المسيح أكثر من كونه بشرًا، فاجترأ عليه محاولًا غوايته، لذلك فقد حصره في الجبل أربعين يومًا من غير طعام ولا شراب، وهو في ذلك يمتحنه ويمنيه بإعطائه الدنيا في مقابل سجدة واحدة له" 8 ثُمَّ أَخَذَهُ أيضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالمِ وَمَجْدَهَا، 9 وَقَال لَهُ: "أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي". 10 حِينَئِذٍ قَال لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ"."(متى 4/ 9 - 10)، فهل كان الشيطان يعِد الرب العظيم -مالك كل شيء وواهبه- بالدنيا؟ ! ! .