الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله ورسوله" تعريض باليهود في التفريق بين رسله في إنكارهم رسالته، ثم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتعريض بالنصارى- أنفسهم- في قولهم بالإيمان به مع التثليث، وهو شرك محض؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى عليه السلام في هذا الحديث العظيم الجامع، ألا وحدة بين مسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله، ويهودي، أو نصراني: لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله -سبحانه-: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} [البقرة: 137]. (1)
الدليل العاشر: شهادة النجاشي لما جاء في القرآن من أن عيسى عبد، وقد كان على دينهم بل كان حاكمهم:
عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا على أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخرومي وعمرو بن العاص، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا إلى النجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جوار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعًا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق أنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤا بدين مبتدع لانعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إليك فيهم أشارف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فإذا كلما الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم؛ فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم،
(1) الإبطال لنظرية الخلط بين الأديان لبكر أبو زيد (1/ 99).
ثم كلماه فقالا له أيها لا ملك إنَّه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قوهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما ليردوهم إلا بلادهم وقومهم، قالت فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله أذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد أقوام جاوروني ونزلوا ببلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسئلهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني، قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤه -وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الأمم، قالت وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له أيها الملك! كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قالت فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا
قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص (1)} قالت فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقوا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا ولا أكاد قالت أم سلمة فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاصي والله لآتينه غدًا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم، قالت فقال عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا لا تفعل فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت ثم غدًا عليه من الغد فقال له أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت فأرسل إليهم فسألهم عنه، قالت ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه، قالوا نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاء به نبينا كائنًا في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه، فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم، وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي- "والسيوم" الآمنون- من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبر ذهب وإني آذيت رجلًا منكم-"، وفيه أن النجاشي وافق الصحابة على اعتقاد المسلمين في عيسى عليه السلام. (1)
(1) حسن. أخرجه ابن إسحاق في السيرة، قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن =