الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الأعراف: 104 - 107). وقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)} (الأعراف: 117).
فهذه معجزة عظيمة أنعم الله بها على موسى عليه السلام إذ أحيا الله هذه القطعة الصغيرة من الخشب الجماد التي لا حياة فيها وجعلها حية عظيمة تسعى وتبتلع بفيها ما وضعه السحرة من عصي وحبال .. إلخ.
3 -
إحياء الميت الذى قُتل في بني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام بإذن الله بعد أمر الله لهم أن يضربوا الميت ببعض البقرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)} (البقرة: 72 - 73).
فهؤلاء الذين ضربوا الميت ببعض لحم البقرة فقام حيًّا بإذن الله ليسوا من الرسل - على ما يظهر - وعلى الرغم من هذا حدثت على أيديهم هذه المعجزة بإذن الله فهل كان هذا مدعاة لتأليه أحد منهم؟ أو تأليه موسى عليه السلام؟ إن النصارى زعموا أن علة تأليه عيسى عليه السلام هي إحياؤه للموتى، ولو فرض أنها علة لتأليه أحد ما من البشر؛ لكان العقل موجبًا أن يؤله كل من اشترك في هذه العلة فقام بمثل هذه المعجزات، أو الأمور الخارقة للعادة. وقد شارك عيسى غيره في معجزة الإحياء كما مر آنفًا، مما يبطل ادعاء النصارى في تأليه عيسى عليه السلام لإحيائه الموتى على نحو عام.
ويبطل نسبة هذا التأليه إلى القرآن على نحو خاص؛ لأن القرآن أوضع أن كل ذلك بإذن الله وأن هناك من أنعم الله عليه بمثل معجزات عيسى عليه السلام في إحياء الموتى، ولم يجعل ذلك منهم آلهة.
ثانيًا: الإخبار بالغيب:
أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم عن بعض من أنعم عليهم: باطلاعهم - من لدنه - على بعض الغيوب من ذلك:
(أ) ما أنزل على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من الغيوب سواء في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة، وهو شيء كثير لا يتسع المقام لذكره، مثل الإخبار عن الأقوام السابقين له صلوات الله وسلامه عليه، وعن رسلهم وما جرى لهم مع أقوامهم، ومثل الإخبار عن قصة سليمان والهدهد
وملكة سبأ إلى غير ذلك من أمور غيبية ماضية بل وأمور غيبية مستقبلية (1).
ولما كانت الدعوى (دعوى الألوهية وما يرتبط بها) مدعاة من النصارى والمنصرين على القرآن، ولأن بعض أهل الكتاب كما يقول ابن تيمية يقول "لا نصدق إلا بما في القرآن"(2). أي من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يحسن ذكر بعض ما أنزله الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن من الأخبار الغيبية، ولا سيما بعض ما يرتبط بعيسى عليه السلام وأمه مما انفرد به القرآن الكريم ومن ذلك:
إخباره عن أحوال الرسل الماضين، وإخباره عن أمور مستقبلة جاءت كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن هذا من باب الجدل فقط، وعلى زعم محاولة إلزام المسلم من خلال مسلماته، فيما يعتقدون أنه حجة لهم مثل: معجزات عيسى عليه السلام أو غيرها وإليك ما يلي:
(1)
أن مريم حملت بعيسى عليه السلام: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالتْ يَاليْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (مريم: 22 - 25).
(2)
أن عيسى عليه السلام تكلم في المهد و {قَال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (مريم: 30 - 33).
(3)
أن عيسى عليه السلام خلق من الطين كهيئة الطير؛ فنفخ فيه فصار طيرًا بإذن الله.
(4)
أن عيسى عليه السلام كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
كل هذه الأخبار الغيبية لا يعلمها حتى النصارى أنفسهم وفق أناجيلهم الحالية، كما مر؛ فإنما أنزلها الله على يد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن.
(1) انظر رحمت الله الهندي "إظهار الحق"(2/ 81) فما بعد، وعبد العزيز السلمان "من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم" ومحمود مهدي الإستانبولي "إعجاز القرآن العلمي" الطبعة الثانية، مكتبة السوادي للتوزيع، جدة.
(2)
ابن تيمية في الجواب الصحيح (6/ 68).
(ب) ما جاء في القرآن من إخبار نبي من أنبياء بني إسرائيل لهم عن آية ملك طالوت عليهم. قال تعالى: {وَقَال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالوتَ مَلِكًا قَالوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَال إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)} [البقرة: 247] فهذا نبي من بني إسرائيل يخبرهم عن أمور غيبية مستقبلية، لم تحدث بعد آنذاك فما جعل ذلك منه إلهًا.
(ج) ما أعطاه الله سبحانه وتعالى للخضر من العلم الغيبي الذي لم يُعطَه رسول من أولي العزم من الرسل وهو موسى صلوات الله وسلامه عليهم؛ فإن الخضر خرق سفينة المساكين الذين يعملون في البحر حفاظًا عليها؛ لأن الله أعلمه أن وراءهم ملكًا يأخذ كل سفينة غصبًا، وقتل الغلام خشية أن يرهق أبويه طغيانًا وكفرًا، وأقام الجدار الذي كان يريد أن ينقض؛ إذ كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزلهما، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة منه، كل ذلك من الإنباء بالغيب الذي منحه الله تعالى للخضر مما لم أطلع على أن عيسى عليه السلام أعطي مثله لا في القرآن ولا في الأناجيل.
هذا فيما يتعلق بمعجزات مشابهة لمعجزات عيسى من خلال القرآن.
وأما عن المعجزات المشابهة من خلال التوراة والأناجيل فقد سبق بيانها بحمد الله تعالى، ولكن نشير هنا فقط إلى أن معجزات المسيح عليه السلام التي وردت في الأناجيل إنما هي - بنص الأناجيل - بإذن الله تعالى يدل على ذلك من الأناجيل ما يلي:
(1)
قوله: "فَرَفَعُوا الحجَرَ حَيْثُ كَانَ الميْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَال: "أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ ليِ، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الجمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي". 43 وَلمَّا قَال هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:"لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا! " فَخَرَجَ الميْتُ." (يوحنا (11: 41 - 43) فانظر كيف رفع عيسى بصره إلى السماء ودعا الله ومجده، وأوضح النص أن هذه المعجزة إنما هي من أجل أن يُصدقوا به رسولًا من عند الله، وقد استجاب الله دعاءه فخرج الميت حيًّا بإذن الله.
(2)
قوله "فأجاب يسوع وقال لهم: الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب"(يوحنا (5: 19)، وينسب إلى عيسى - علية السلم - أنه قال:"والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك"(يوحنا (17: 7)، فكل ما أوتيه المسيح - علية السلم - من إحياء للموتى، ومن إنباء بالغيب إلى غير ذلك من معجزات إنما هو بنص أقوال المسيح - علية السلم - من عند الله وبإذن الله سبحانه وتعالى، وهذا مثبت أنه ليس له من الأمر شيء، ومبطل لدعوى ألوهية المسيح من خلال الأناجيل كما بطلت هذه الدعوى قبل من خلال القرآن.
(3)
جاء في نص آخر: "فقالت مرثا ليسوع: يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي لكن الآن أعلم أن كل ما تطلبه من الله يعطيك إياه"(يوحنا (11: 21 - 22).
فهذه المرأة تعلم أن الأمر ليس بيده، وإنما إذا دعا الله أعطاه الله سؤله، فإحياء الموتى الذي حدث على يد المسيح، إنما هو بإذن الله سبحانه وتعالى.
(4)
وفي نص آخر: "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل، قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون"(أعمال الرسل (2: 22)، وانظر: أعمال الرسل (15: 38)، فالأمر بدهي عند المؤمنين بعيسى آنذاك من بني إسرائيل: أن المعجزات التي جاء بها إنما أوجدها وصنعها الله، وليس عيسى - علية السلم - وإنما حصلت على يد عيسى فهي من (قبل الله) أو من عند الله وبإذن الله، وأوجدها الله سبحانه وتعالى وما عيسى إلا (رجل) أو عبد من عبيد الله، ورسول من رسله، ثبت صدقه بما أنزله الله على يديه من المعجزات (القوات والعجائب).
ولذا على الرغم من إحياء عيسى للموتى بإذن الله، لم يجعل ذلك منه عند الجموع التي قام بالمعجزات في وسطها إلا أنه نبي فقط فلم يتجاوزوا به طور البشرية.
جاء في الأناجيل" فقال (أي عيسى) أيها الشاب لك أقول قم؛ فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه؛ فأخذ الجمع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه"(لوقا (7: 14 - 16).
وفي النص الذي قبل هذا قالوا عن عيسى إنه (رجل تبرهن لكم من قبل الله)، ولم يقولوا: إله، أو ابن إله. وهذا مما يوضح حقيقة عيسى، وأنه عند بني إسرائيل الذين أرسل إليهم وآمنوا به، إنما هو رسول نبي وعبد من عباد الله؟ لأن المعجزات التي جاء بها، إنما كانت بإذن الله سبحانه وتعالى، ومن عنده وليست من عند المسيح ابتداءً.
وقد جاء في الأناجيل أن عيسى قال للحواريين "اشفوا مرضى طهروا برصًا أقيموا موتى أخرجوا شياطين مجانا"(متى (10: 8). وهذا دليل على أن إحياء الموتى، ليس علة ولا مبررًا لتأليه أحد من البشر؛ مما يسقط دعوى النصارى في ألوهية عيسى؛ استنادًا إلى إحيائه للموتى، فعلى فرض صحة هذا النص وافتراض تحققه من قبل الحواريين، يوضح بجلاء أن إحياءهم للموتى لم ولن يجعل منهم آلهة، وليس هذا مسوغًا لتأليه أحد من البشر؛ فإن زعم النصارى أن ذلك بسلطة أو بإذن من الله سبحانه وتعالى؛ فإن هذا الكلام هو عين الرد عليهم في حالة إحياء عيسى للموتى؛ إذ أحيا عيسى الموتى بإذن الله، كما أوضحت ذلك آيات القرآن ونصوص الأناجيل الآنفة الذكر.
* * *