الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك لأَن قلوبَ العباد مفطورةٌ على الإِقرار بربوبيته سبحانه وتعالى ولذا فلا يُصْبحُ مُعْتقِدُه مُوَحِّدا، حتى يوحد في العبادة كما سيأتي
2 - توحيد الأسماء والصفات:
ومعناه الاعتقاد الجازم بأَنَّ الله عز وجل له الأَسماء الحسنى والصفات العُلى، وهو متَّصف بجميع صفات الكمال، ومنزَّهٌ عن جميع صفات النقص، متفرد بذلك عن جميع الكائنات، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله من غير نفي لشيء منها، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تمثيل، ونفي ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، وعن كل ما ينافي كماله.
وأسماء الله كثيرة، منها: الرحمن، والسميع، والبصير، والعزيز، والحكيم. فأهل السنة والجماعة: يعرفون ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنة، ويصفون ربهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعدتهم في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. وقوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180]. وأهل السنة والجماعة لا يحددون كيفية صفات الله -جل وعلا- لأنه تبارك وتعالى لم يخبر عن الكيفية، ولأنه لا أحد أعلم من الله سبحانه بنفسه، قال تعالى:{قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140]. وقال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)} [النحل: 74]. ولا أحد أعلم بالله بعد الله من رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تبارك وتعالى في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} ، ويؤمنون أن الله سبحانه وتعالى هو الأول ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي
ليس دونه شيء، كما قال سبحانه:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد: 3] وكما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات، لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه؛ فيثبتون لله ما أثبته لنفسه إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل؛ فحين يثبتون لله ما أثبته لنفسه لا يمثلون، وإذا نزهوه لا يعطلون الصفات التي وصف نفسه بها، وأنه -تعالى- محيط بكل شيء، وخالق كل شيء، ورازق كل حي، قال الله تبارك وتعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14]، وقال:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58]. ويؤمنون بأن الله تعالى استوى على العرش فوق سبع سماوات، بائن من خلقه، أحاط بكل شيء علما، كما أخبر عن نفسه في كتابه العزيز في سبع آيات كريمات بلا تكييف. قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)} [الملك: 16 - 17]، وقال:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
ويؤمنون بأن الكرسي والعرش حق. قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255] والعرش لا يقدر قدره إلا الله، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة وسع السموات والأرض، والله مستغن عن العرش والكرسي، ولم يستو على العرش لاحتياجه إليه؛ بل لحكمة يعلمها، وهو منزه عن أن يحتاج إلى العرش أو ما دونه، فشأن الله تبارك وتعالى أعظم من ذلك؛ بل العرش والكرسي محمولان بقدرته وسلطانه. وأن الله تعالى خلق آدم عليه السلام بيديه، وأن كلتا يديه يمين ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء كما وصف نفسه سبحانه، فقال:{وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]، وقال: {مَا
مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. ويثبتون لله سمعًا، وبصرًا، وعلمًا، وقدرةً، وقوةً، وعزًا، وكلامًا، وحياةً، وقدمًا وساقًا، ويدًا، ومعيةً، وغير ها من صفاته عز وجل التي وصف بها نفسه في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، لأنه تعالى لم يخبرنا عن الكيفية، قال تعالى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] وقال: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2]، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة: 22]، {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، {بَهْجَةٍ} [الزُّخرُف: 55]، {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42]، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 6]، وغيرها من آيات الصفات.
وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه، قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. وسوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل نزولًا حقيقيًّا يليق بجلاله وعظمته قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له؟ " ويؤمنون بأنه تعالى يجيء يوم الميعاد للفصل بين العباد، مجيئًا حقيقيًّا يليق بجلاله، قال سبحانه وتعالى:{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 21 - 22]، وقوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: 210]، فمنهج أهل السنة والجماعة في كل ذلك الإيمان الكامل بما أخبر به الله تعالى، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم والتسليم به؛ كما قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى:(من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم).