الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثالث: الكلام في الصفات. (1)
ولنشرع الآن في بيان أنواع التوحيد وهذا التقسيم مستفاد من نصوص الوجهين وفصله العلماء بهذا التفصيل تيسيرا على المسلمين لدراسة عقيدتهم.
أولًا: توحيد الربوبية
.
وهو الإقرار بأنه خالق كل شيء، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، وهذا التوحيد حق لا ريب فيه، وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية. وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم:{قَالتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (إبراهيم: 10)(2). ولا يستقل شيء سواه بإحداث أمر من الأمور، بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما سواه إذا قدر سببًا فلا بد له من شريك معاون وضد معوق، فإذا طلب مما سواه إحداث أمر من الأمور طلب منه ما لا يستقل به ولا يقدر وحده عليه، حتى ما يطلب من العبد من الأفعال الاختيارية لا يفعلها إلا بإعانة الله له (3).
ومن خصائص الربوبية أنه مالك خلقه، وأنشأهم لا عن حاجة إلى ما خلق ولا معنىً دعاه إلى أن خلقهم، لكنه فعال لما يشاء ويحكم كما يريد، لا يسأل عما يفعل، والخلق مسؤلون عما يفعلون (4).
فمشيئة الله وحده مستلزمة لكل ما يريده، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما سواه لا تستلزم إرادته شيئًا؛ بل ما أراده لا يكون إلا بأمور خارجة عن مقدوره إن لم يعنه الرب بها لم يحصل مراده، ونفس إرادته لا تحصل إلا بمشيئة الله تعالى. كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ
(1) شرح الطحاوية ص 16.
(2)
المصدر السابق ص 17.
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (10/ 331).
(4)
اعتقاد أئمة الحديث لأبي بكر الإسماعيلي (ص 51).
يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ} [التكوير: 28، 29]. {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 29 - 31](1).
وبالجملة يمكن تلخيص معنى هذا التوحيد بأنه الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على ما يشاء، ليس له في ذلك شريك، ويدخل في ذلك الإيمان بالقدر (2). وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الإسلام بل لابد أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الأُلوهية، لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا التوحيد لله تعالى وحده.
قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31]. وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]. وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].
فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا بذلك مسلمين، بل قال تعالى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} (يوسف: 106). قال مجاهد في الآية: إيمانهم بالله قولهم: إن الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره
…
فتبين أن الكفار يعرفون الله ويعرفون ربوبيته، وملكه وقهره وكانوا مع ذلك يعبدونه ويخلصون له أنواعًا من العبادات كالحج والصدقة والذبح والنذر والدعاء وقت الاضطرار ونحو ذلك (3).
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (10/ 331، 332).
(2)
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ص 17).
(3)
تيسير العزيز الحميد ص 17، 18.