الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة. (1)
المطلب الثاني: أركان الإيمان
.
الركن الأول: الايمان بالله
.
فلفظ الجلالة الله: علم على الرب تبارك وتعالى وقيل أنه أعرف المعارف. وأصله: الإله وهو مشتق.
إن الإيمان بالله تعالى هو الركن الركين والركن الأساسي، فهو العمدة ويبنى عليه باقي أركان الإيمان، وهو بمثابة القاعدة الصلبة لأركان الايمان.
فالإيمان بالله تعالى: إثباته والاعتراف بوجوده، والإيمان له تعالى: القبول عنه والطاعة له. (2)
معرفة الله عز وجل هي أسمى المعارف وأجلِّها وهي الأساس الذي تقوم عليه الحياة الروحية كلها.
فمنها تفرعت المعرفة بالأنبياء والرسل وما يتصل بهم من حيث عصمتهم ووظيفتهم وصفاتهم والحاجة إلى رسالاتهم، وما يلحق بذلك من المعجزة والولاية والكرامة والكتب السماوية.
وعنها تشعبت المعرفة بعالم ما وراء الطبيعة من الملائكة والجن والروح.
وعنها انبثقت المعرفة بمصير هذه الحياة وما تنتهي إليه من الحياة البرزخية والحياة الأخروية من البعث والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار.
الإيمان بوجود الله تعالى:
دلت عليه الفطرة، والعقل، وإجماع الأمم، والآيات الكونية.
أما دلالة الفطرة: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ"(3).
فما يغرسه الآباء في نفوس الأبناء، وما يلقيه الكتَّاب والمعلمون والباحثون في أفكار
(1) المغني (3/ 161).
(2)
تيسير العزيز الحميد ص 15.
(3)
البخاري (1385)، مسلم (2658).
الناشئة؛ يبدل هذه الفطرة ويكدرها ويلقي عليها غشاوة فلا تتجه إلى الحقيقة.
وشياطين الإنس والجن يقومون بدور كبير في إفساد الفطرة وتدنيسها.
وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَني يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالتهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنزِلْ بِهِ سُلْطَانًا"(1).
إذًا فالإقرار بوجود الله تعالى أمر فطري، فالعلم الإلهي فطري ضروري وأنه أشد رسوخًا في النفوس من مبدأ العلم الرياضي كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين، لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي: فما يتصور أن تعرض عنه فطرة (2).
فالقلوب مفطورة على الإقرار بالله تصديقًا به ودينًا له، لكن يعرض لها ما يفسدها، ومعرفة الحق تقتضي محبته، ومعرفة الباطل تقتضي بغضه؛ لما في الفطرة من حب الحق وبغض الباطل، لكن قد يعرض لها ما يفسدها إما من الشبهات التي تصدها عن التصديق بالحق، وإما من الشهوات التي تصدها عن اتباعه.
ولهذا أمرنا الله أن نقول في الصلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 6، 7](الفاتحة 6: 7). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون" لأن اليهود يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم؛ ولا يتبعونه لما فيهم من الكبر والحسد الذي يوجب بغض الحق ومعاداته. والنصارى لهم عبادة وفي قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها لكن بلا علم فهم ضُلَّال. هؤلاء لهم معرفة بلا قصد صحيح وهؤلاء لهم قصد في الخير بلا معرفة له وينضم إلى ذلك الظن واتباع الهوى؛
(1) مسلم (2865).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (2/ 15).
فلا يبقى في الحقيقة معرفة نافعة؛ ولا قصد نافع بل يكون كما قال تعالى عن مشركي أهل الكتاب: {وَقَالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} (الملك: 10).
وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} (الأعراف: 179)(1).
فإن قيل: إذا كانت معرفته والإقرار به ثابتًا في كل فطرة فكيف ينكر ذلك كثير من النظار - نظار المسلمين - وغيرهم وهم يدعون أنهم الذين يقيمون الأدلة العقلية على المطالب الإلهية؟ !
فيقال أولًا: أول من عرف في الإسلام بإنكار هذه المعرفة هم أهل الكلام الذين اتفق السلف على ذمهم؛ من الجهمية والقدرية، وهم عند سلف الأمة من أضل الطوائف وأجهلهم. ولكن انتشر كثير من أصولهم في المتأخرين الذين يوافقون السلف على كثير مما خالفهم فيه سلفهم الجهمية.
فصار بعض الناس يظن أن هذا قول صدر في الأصل عن علماء المسلمين؛ وليس كذلك إنما صدر أولًا عمن ذمه أئمة الدين وعلماء المسلمين.
الثاني: أنَّ الإنسان قد يقوم بنفسه من العلوم والإرادات وغيرها من الصفات ما لا يعلم أنه قائم بنفسه فإن قيام الصفة بالنفس غير شعور صاحبها بأنها قامت به. فوجود الشيء في الإنسان وغيره غير علم الإنسان به (2).
فمعرفة الخالق سبحانه فطرية، وإنما تكون نظرية عند من فسدت فطرته فاحتاج إلى النظرة والبرهان.
ومن المعلوم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يوجب هذا النظر على الأمة، ولا أمرهم به، بل ولا سلكه هو ولا أحد من سلف الأمة في تحصيل هذه المعرفة، ولو كان
(1) فتاوى ابن تيمية (7/ 528)، فتح الباري (3/ 248)، درء تعارض العقل والنقل (2/ 375).
(2)
فتاوى ابن تيمية (16/ 230 - 348)، درء تعارض العقل والنقل (1/ 39 - 41).