الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإليك الآن باقة متوجة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أرجو أن ينفع الله بها المحبين، وأن يدحض بها الحاسدين الحاقدين. إنه حسبنا ونعم الوكيل.
حلمه وعفوه واحتماله وصبره صلى الله عليه وسلم
-.
حلمه وعفوه واحتماله وصبره صلى الله عليه وسلم، كلها معانٍ متقاربة، وهذا كله مما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199). وقال عبد الله بن الزبير: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} قال: "مَا أَنْزَلَ الله إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ"(1). وقال أيضًا: أَمَرَ الله نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاس. (2)
وقال تعالى لنبيه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)} (لقمان: 17).
ولا خفاء بما يؤثر من حلمه واحتماله، وأن كل حليم قد عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرًا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلمًا. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّهَا قَالتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا؛ فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ لله بِهَا". (4)
قال ابن حجر في قوله "مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِه": أي خاصة. فلا يرد أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل (5) وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله. وقيل: أنه لا ينتقم إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر، كما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه، وعن الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه. (6)(7).
(1) البخاري (4643).
(2)
البخاري (2644).
(3)
انظر الشفا 1/ 118 بتصرف.
(4)
البخاري (3560)، مسلم (2327).
(5)
انظر: حديث سعد بن أبي وقاص عند النسائي 7/ 105 وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة (1723).
(6)
البخاري (5472)، مسلم (1057).
(7)
فتح الباري 6/ 648.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، ادع عَلَى المشْرِكِينَ، قَال:"إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً". (1)
وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يحكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللهمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". (2)
قال القاضي عياض: انظر مما في هذا القول من جماع الفضل، ودرجات الإحسان، وحسن الخلق، وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم فقال: اغفر أو اهد، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله:"لِقَوْمِي"، ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال:"فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". (3)
والحديث في بيان حلمه صلى الله عليه وسلم كثير. فَعَنْ جَابرٍ أخبر أنهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَافِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنزلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنزلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَال: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيفي وَأنا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدهِ صَلْتًا، فَقَال: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: الله ثَلَاثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. (4)
وعَنْ أنس قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَال: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ الله الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. (5)
(1) مسلم (2599).
(2)
البخاري (3477).
(3)
انظر الشفا 1/ 120.
(4)
البخاري (2910)، مسلم (843).
(5)
البخاري (5809)، مسلم (1057).