الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأهليهم وما ولوا". فينبغي أن يعدل بينهن ولا يميل إلى بعضهن؛ فإن خرج إلى سفر وأراد استصحاب واحدة أقرع بينهن، كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن ظلم المرأة بليلتها قضي لها، فإن القضاء واجب عليه، وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت، وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار. قال الله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (النساء: 129)، أي: أن تعدلوا في شهوة القلب وميل النفس، ويتبع ذلك التفاوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بينهن في العطاء والبيتوتة في الليالي (1).
قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} أخبر تعالى بنفي الاستطاعة في العدل بين النساء، وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب. فوصف الله تعالى حالة البشر، وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"(2) ثم نهى فقال (فلا تميلوا كل الميل) أي: لا تتعمدوا الإساءة؛ بل الزموا التسوية في القسمة والنفقة؛ لأن هذا مما يستطاع.
-
ومن حسن المعاشرة:
أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق، والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها، ويسقط بالكلية هيبته عندها؛ بل يراعي الاعتدال فيه، فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكرًا، ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات البتة؛ بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض، فإن الله ملكه المرأة، فمن ملكها نفسه فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان لما قال: وَلَأَمُرَنَّهُمْ {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (النساء: 119). (3)
8 - عدم إيلائها أكثر من أربعة أشهر:
قال الله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 226 - 227).
(1) إحياء علوم الدين (2/ 75). مسلم (1827).
(2)
الترمذي (1140)، والمصنف (17540)، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (193).
(3)
إحياء علوم الدين (2/ 71).
والإيلاء: هو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته إما مدة هي أكثر من أربعة أشهر أو أربعة أشهر (1).
وهو لغة: الامتناع باليمين. وخص في عرف الشرع: بالامتناع من وطء الزوجة ولهذا عدى فعله بأداة "من" تضمينا له معنى "يمتنعون" من نسائهم، وهو أحسن من إقامة "من" مقام "على". وجعل سبحانه للأزواج مدة أربعة أشهر يمتنعون فيها من وطء نسائهم بالإيلاء؛ فإذا مضت، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق. وقد دلت الآية على أحكام منها: أن من حلف على ترك الوطء أقل من أربعة أشهر لم يكن مؤليا، وهذا قول الجمهور. ومنها: أنه لا يثبت له حكم الإيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر، وبعد انقضائها إما أن يطلقوا وإما أن يفيئوا وهذا قول الجمهور، والجمهور يجعلون المدة أجلًا لاستحقاق المطالبة، وعند الجمهور لا يستحق المطالبة حتى تمضي الأربعة أشهر فحينئذ يقال: إما أن تفيء وإما أن تطلق، وإن لم يفيء أخذ بإيقاع الطلاق، إما بالحاكم وإما بحبسه حتى يطلق (2).
ومن حسن العشرة: عدم هجر فراش الزوجة إلا لأمر شرعي:
قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} (النساء 34)، أي: النساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن. والنشوز: هو الارتفاع، فالمرأة الناشز: هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، والهجران في المضاجع معناه: لا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره، وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة، فأفشته إلى عائشة، وتظاهرتا عليه، ولا يبلغ به الأربعة الأشهر التي ضرب الله أجلا عذرا للمولى (3).
(1) بداية الجتهد (3/ 187).
(2)
زاد المعاد (5/ 310).
(3)
تفسير القرطبي (5/ 178)، وابن كثير (2/ 257).