الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن القادر المطلق قد خلق لمصلحة العالم البراهمة من فمه، وشتري من سواعده، وويش من أفخاذه، والشودر من أرجله، ووزع لهم فرائض وواجبات لصلاح العالم. فعلى البراهمة تعليم ويد أو تقديم النذور للآلهة وتعاطي الصدقات، وعلى الشتري حراسة الناس والتصدق وتقديم النذور ودراسة ويد والعزوف عن الشهوات، وعلى ويش رعي السائمة والقيام بخدمتها وتلاوة ويد والتجارة والزراعة، وليس لشودر إلا خدمة هذه الطبقات الثلاث. (1)
وأما المرأة في المجتمع الهندي فقد نزلت في هذا المجتمع منزلة الإماء، وكان الرجل قد يخسر امرأته في القمار، وكان في بعض الأحيان للمرأة عدة أزواج، فإذا مات زوجها صارت كالموءودة لا تتزوج، وتكون هدف الإهانات والتجريح، وكانت أمة بيت زوجها المتوفى وخادم الأحماء وقد تحرق نفسها على إثر وفاة زوجها تفاديًا من عذاب الحياة وشقاء الدنيا. وهكذا صارت هذه البلاد المخصبة أرضًا وعقولًا، وهذه الأمة -التي وصفها بعض مؤرخي العرب بكونها معدن الحكمة وينبوع العدل والسياسة وأهل الأحلام الراجحة والآراء الفاضلة؛ لبعد عهدها عن الدين الصحيح وضياع مصادره وتحريف رجال الدين وإمعان الناس في القياس والتخمين واتباع هوى النفوس ونزعات الشهوات. أصبحت هذه البلاد مسرحًا للجهل الفاضح والوثنية الوضيعة والقسوة الهمجية والجور الاجتماعي الذي ليس له مثيل في الأمم ولا نظير في التاريخ. (2)
سابعًا: العرب:
أما العرب فقد امتازوا بين أمم العالم وشعوبه في العصر الجاهلي بأخلاق ومواهب تفردوا بها أو فازوا فيها بالقِدْح المعلَّى، كالفصاحة، وقوة البيان، وحب الحرية والأنفة والفروسية والشجاعة والحماسة في سبيل العقيدة، والصراحة في القول، وجودة الحفظ، وقوة الذاكرة، وحب المساواة، وقوة الإرادة، والوفاء والأمانة. ولكن ابتلوا في العصر
(1) ماذا خسر العالم صـ 72 - 73.
(2)
ماذا خسر العالم (75 - 76).
الأخير -لبعد عهدهم من النبوة والأنبياء وانحصارهم في شبه جزيرتهم وشدة تمسكهم بدين الآباء وتقاليد أمتهم- بانحطاط ديني شديد ووثنية سخيفة قلما يوجد لها نظير في الأمم المعاصرة، وأدواء خلقية واجتماعية جعلت منهم أمة منحطة الأخلاق، فاسدة المجتمع متضعضعة الكيان حاوية لأسوأ خصائص الحياة الجاهلية وبعيدة عن محاسن الأديان.
كان الشرك هو دين العرب العام والعقيدة السائدة، كانوا يعتقدون في الله أنه إله أعظم خالق الأكوان ومدبر السماوات والأرض، بيده ملكوت كل شيء فلئن سئلوا: من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} . ولكن ما كانت حوصلة فكرهم الجاهلي تسع توحيد الأنبياء في خلوصه وصفائه وسموه، وما كانت أذهانهم البعيدة العهد بالرسالة والنبوة والمفاهيم الدينية تسيغ أن دعاء أحد من البشر يتطرق إلى السموات العلى ويحظي عند الله بالقبول مباشرة بغير واسطة وشفاعة، قياسًا على هذا العالم القاصر وعاداته، وأوضاع الملوكية الفاسدة، ومجاري الأمور فيها، فبحثوا لهم عن وسطاء توسلوا بهم إلى الله وأشركوهم في الدعاء، وقاموا نحوهم ببعض العبادات ورسخت في أذهانهم فكرة الشفاعة حتى تحولت إلى عقيدة قدرة الشفعاء على النفع والضرر. ثم ترقوا في الشرك فاتخذوا من دون الله آلهة، واعتقدوا أن لهم مماثلة ومشاركة في تدبير الكون، وقدرة ذاتية على النفع والضرر والخير والشر والإعطاء والمنع، فإذا كانوا الأولون يعترفون لله بالألوهية والربوبية الكبرى، ويكتفون بالشفعاء والأولياء كان الآخرون يشركون آلهتهم مع الله ويعتقدون فيهم قدرة ذاتية على الخير والشر والنفع والضر والإيجاد والإفناء مع معنى غير واضح عن الله كإله أعظم ورب الأرباب. (1)
وانتشر في جزيرة العرب عبادة الأصنام بأبشع أشكالها، فكان لكل قبيلة أو ناحية أو مدينة صنم خاص، بل كان لكل بيت صنم خصوصي.
قال الكلبي: كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم
(1) بيئة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن، للأستاذ محمد عزت دروزة.
السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضًا. (1)
واستهترت العرب في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتًا، ومنهم من اتخذ صنمًا، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجرًا أمام الحرم، وأمام غيره، مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب.
وكان في جوف الكعبة -البيت الذي بني لعبادة الله وحده- وفي فنائها ثلاث مائة وستون صنمًا، وتدرجوا من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة جنس الحجارة، فعن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا، جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به (2). وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلًا أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًا، وجعل ثلاث أثافي لقدره، وإذا ارتحل تركه (3).
وانتشرت اليهودية والنصرانية في بلاد العرب، ولم تستفد منها العرب كثيرًا من المعاني الدينية، وكانتا نسختين من اليهودية في الشام، والنصرانية في بلاد الروم والشام قد طرأ عليها من التحريف والزيغ والوهن ما شرحناه من قبل.
الأدواء الخلقية والاجتماعية عند العرب: أما من جهة الأخلاق، فكانت فيهم أدواء وأمراض متأصلة، وأسبابها فاشية، فكان شرب الخمر واسع الشيوع شديد الرسوخ فيهم تتحدث عن معاقرتها والاجتماع على شربها الشعراء، وشغلت جانبًا كبيرًا من شعرهم وتاريخهم وأدبهم، وكثرت أسمائها وصفاتها في لغتهم، وكثر فيها التدقيق والتفصيل كثرة تدعو إلى العجب (4)، وكانت حوانيت الخمارين مفتوحة دائمًا، يرفرف عليها علم يسمى
(1) كتاب الأصنام لهشام بن محمد الكلبي ص 6.
(2)
البخاري (4117).
(3)
الأصنام لابن الكلبي (ص 33).
(4)
انظر: المخصص لابن سيده (11/ 82 - 101).
غاية، وكان أهل الحجاز، العرب واليهود، يتعاطون الربا، وكان فاشيًا فيهم، وكانوا يجحفون فيه ويبلغون إلى حد الغلو والقسوة.
ولم يكن الزنى نادرًا وكان غير مستنكر استنكارًا شديدًا، فكان من العادات أن يتخذ الرجل خليلات ويتخذ النساء أخلاء بدون عقد، وكانوا قد يُكرهون بعض النساء على الزنى. عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالت: النِّكَاحُ في الجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَليَّتَهُ أَوِ ابْنتهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا، وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أرسلي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ. وَيعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتبَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الذي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تبين حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً في نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاسْتِبْضَاعِ، وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى امْرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا. فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا ليالي بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الذي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ. تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ. وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحْقُوا وَلَدَهَا بالذي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الجْاهِلِيَّةِ كُلَّهُ، إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ. (1)
المرأة في المجتمع الجاهلي: وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف، وتؤكل حقوقها وتُبْتز أموالها وتُحرم إرثها وتعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجًا ترضاه، وتورث كما يورث المتاع أو الدابة. وقال السُدّي: إن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه فإذا مات وترك امرأته فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه فهو أحق
(1) البخاري (5127).
بها أن ينكحها بمهر صاحبه أو يُنكحها فيأخذ مهرها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها، وكانت المرأة في الجاهلية يطفف معها الكيل، فيتمتع الرجل بحقوقه ولا تتمتع هي بحقوقها، يؤخذ مما تؤتي من مهر وتمسك ضرارًا للاعتداء، وتلاقي من بعلها نشوزًا أو إعراضًا وتترك في بعض الأحيان كالمعلقة، ومن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكان يسوغ للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد.
وكانوا يقتلون البنات ويئدونهن بقسوة نادرة في بعض الأحيان، فقد يتأخر وأد الموءودة لسفر الوالد وشغله فلا يئدها إلا وقد كبرت وصارت تعقل، وقد حكوا في ذلك عن أنفسهم مبكيات، وقد كان بعضهم يلقي الأنثى من شاهق.
العصبية القبلية الدموية في العرب: كانت العصبية القبلية والدموية شديدة جامحة. وكانت في المجتمع العربي طبقات وبيوت ترى لنفسها فضلًا على غيرها، وامتيازًا، فتترفع على الناس ولا تشاركهم في عادات كثيرة حتى في بعض مناسك الحج، فلا تقف بعرفات وتتقدم على الناس في الإفاضة والإجازة، وتنسأ الأشهر الحرم، وكان النفوذ والمناصب العليا والنسيء متوارثًا، يتوارثه الأبناء عن الآباء، وكانت طبقات مسخرة وطبقات سُوقة وعوام، فكان التفاوت الطبقي من مسلمات المجتمع العربي.
وبالجملة لم تكن على ظهر الأرض أمة صالحة المزاج، ولا مجتمع قائم على أساس الأخلاق والفضيلة، ولا حكومةٌ مؤسسة على أساس العدل والرحمة، ولا قيادة مبنية على العلم والحكمة، ولا دين صحيح مأثور عن الأنبياء، وكان النور الضعيف الذي يتراءى في هذا الظلام المطبق من بعض الأديرة والكنائس أشبه بالحباحب الذي يضيء في ليلة شديدة الظلام فلا يخترق الظلام، ولا ينير السبيل، وكان الذي يخرج في ارتياد العلم الصحيح، وانتجاع الدين الحق يهيم على وجهه في البلاد، ترفعه أرض وتخفضه أخرى، حتى يأوي إلى رجال شواذ في الأمم والبلاد، فيلجأ إليهم كما يلجأ الغريق إلى ألواح سفينة مكسرة، هشمها الطوفان، يدل على ندرتهم خبر سلمان الفارسي أكبر الرواد الدينيين في
القرن السادس الذي شرق وغرب في الفحص عنهم، ولم يزل يتنقل من الشام إلى الموصل، ومن الموصل إلى نُصيبين، ومن نصيبين إلى عمورية، ويوصي به بعضهم إلى بعض، حتى أتى على آخرهم فلم يجد لهم خامسًا، وأدركه الإسلام في هذا الظلام.
قال سلمان رضي الله عنه: قدمت الشام، فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئًا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقًا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة.
ثم جاءوا برجل آخر، فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلًا لا يصلي الخمس، أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلًا ونهارًا منه، قال: فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله، فأقمت معه زمانًا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبًا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ ، قال: أي بني والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلًا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به.
قال: فلما مات وغيب، لحقت بصاحب الموصل فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن الحق بك، وأخبرني أنك على أمره، قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا
فلان، إن فلانًا أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به، قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر، قلت له: يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا.
قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ....... ". (1)
(1) حسن. أخرجه أحمد (5/ 441). وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (894)، وانظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص 76 - 92).