الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما قال بولس: "الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ."(تيموثاوس (1) 6/ 16)، فيصير النص لزاما إلى رؤية المعرفة والبصيرة.
3 - المسيح صورة الله:
ومن أدلة النصارى على ألوهية المسيح ما قاله بولس عنه: "مجد المسيح الذي هو صورة الله"(كورنثوس 4/ 4). وفي فيلبي يقول: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صورَةِ الله، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. 7 لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ."(فيلبي 2/ 6 - 7)، ويَقول عنه أيضًا:"الَّذِي هُوَ صورَةُ الله غَيْرِ المُنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ."(كولوسي 1/ 15).
والجواب من وجوه:
الأول: قبل تفنيد هذه الشبهة، يجدر بنا أن نذكر الفقرات التي جاء تعبير بولس هذا ضمنها. فالأول جاء في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (4/ 3 - 4) كما يلي:
"فإذا كانت بشارتنا محجوبة، فهي محجوبة عن السائرين في طريق الهلاك. (محجوبة) عن غير المؤمنين، الذين أعمى أبصارهم إله هذه الدنيا لئلا يبصروا نور بشارة مجد المسيح وهو صورة الله".
والموضع الثاني جاء في رسالته إلى أهل فيليبي (2/ 5 - 8): "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي المُسِيحِ يَسُوعَ أيضًا: 6 الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صورَةِ الله، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. 7 لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. 8 وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الموْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ"، ومثل ذلك جاء في رسالة بولس إلى أهل قولوسي (1/ 15)، حيث قال عن المسيح "هو صورة الله الذي لا يُرَى."
والآن نقول: إن وصف بولس للمسيح بأنه "صورة الله"، ليس فيه أي تأليه للمسيح؛ لأن هذه الصفة تكررت بعينها مرات عديدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ووصف بها الإنسان، بشكل عام والرجل بشكل عام أيضًا، ويفهم من تتبع موارد استعمالها في الكتاب المقدس أنها تعني نوع من التشابه العام أو العلاقة والترابط بين الإِنْسَانَ ككل والله. فقد جاء في سفر التكوين من التوراة الحالية:" وَقَال الله: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ،
وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، فَخَلَقَ الله الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ الله خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى
…
" (تكوين: 1/ 26 - 27). يقول مفسرو التوراة: إن المقصود بكون الإنسان خلق على صورة الله، هو ما يتميز به الإنسان عن الجمادات والنباتات والحيوانات بالعقل الكامل، والقدرة على النطق، والتعبير عما يريد، وبالإرادة والاختيار الحر وبالاستطاعة والقدرة، فضلا عن السمع والبصر والحياة والإدراك والعلم
…
الخ، أي أن هناك تشابه عام بين صورة الله في صفاته والإنسان، لذا قال سبحانه: إنه خلق الإنسان على صورته، وبتعبير آخر إن الله شاء أن يخلق مخلوقا تنعكس وتتجلى فيه ومضة من صفاته تعالى، من العقل والإرادة والاختيار والحياة والعلم والمعرفة والكلام والقدرة والسمع والبصر
…
الخ. ولما كانت صفات الكمال، من قوة وقدرة وعقل وحكمة، موجودة في الرجل أكثر من المرأة، لذا نجد بولس يعبر عن الرجل - كل رجل - بأنه "صورة الله" فيقول مثلًا في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (11/ 7):"وأما الرجل فما عليه أن يغطي رأسه لأنه صورة الله ومجده". أما قول بولس عن المسيح في الشاهد الثاني: "فمع أنه في صورة الله، لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان
…
الخ"، فقد يظن البعض أن فيه تصريحًا بألوهيته؛ لأنه صرح بمساواته لله، وبأنه تجسّد وأخذ صورة العبد ولبس لباس البشر، فصرح بالتجسّد.
فنقول: إن قوله "مساواته لله" ليست إلا تعبيرا آخر عن عبارته "أنه في صورة الله" والتي عرفنا أن المقصود منها: أنه لما كان الإنسان الكامل مجلى وصورة تنعكس فيها صفات الحق جلَّ وعلا، من عقل كامل وعلم وإرادة واختيار وقدرة وعدل وحكمة، وطهر وقداسة، وحب ورحمة ورأفة ..... الخ؛ لذا عبر عنه بأنه صورة الله، ومماثل لله، فيقول بولس: إن المسيح لم يستغل هذا التناظر والتساوي (الصفاتي الصوري) مع الله، لكي يفتخر ويتكبر ولا يخضع لله ويرى أنه صار على مستوى الله، كلا وحاشا، ولعله في هذا يلمِّح إلى آدم الذي -
حسبما تنقل التوراة التي تشكل خلفية فكر بولس باعتباره كان من أحبار اليهود - حاول أن يستغل قدرته وإرادته الحرة للأكل من الشجرة المحرمة، ليكون مساويًا لله في علمه وأبديته، حيث إن الشجرة - حسب نقل تلك التوراة - كانت شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الخلد والملك الذي لا يبلى ولا يفنى، أما المسيح فعلى العكس اختار التواضع والطاعة لمشيئة أبيه ووضع نفس واستسلم للموت - على حد قول بولس -.
وأما قوله عن المسيح: إنه صار على مثال البشر وظهر بهيئة إنسان، فيعود لفكرة بولس عن المسيح التي سبق وشرحناها، وهي أنه يرى في المسيح أولى (أو بتعبيره: بكر) خليقة الله، فكان كائنًا روحيًّا قبل خلق العالم وبه وفيه خلق الله سائر الأشياء، فليس في تجسده أي إشارة للألوهية أو دلالة عليها.
ولا يختلف تجسده عن تجسد جبريل الأمين لما ظهر لمريم أو تجسد الملائكة الثلاثة الذين زاروا إبراهيم عليه السلام، إذ من البديهي أن التجسد بحد ذاته، لا يعني أكثر من ظهور كائن روحي بمظهر جسدي إنساني، أما أن هذا الكائن الروحي كان قبل تجسده إلهًاو غير إله، فهذا يحتاج لدليل آخر.
الثاني: وإذا نظرنا إلى تتمة كلام بولس؛ ظهر لنا بكل وضوح انتفاء قصد إلهية المسيح واستحالة كون المسيح هو الله في نظر بولس، حيث قال: "فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله إلى العلى ووهب له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء
…
" (فيليبي: 2/ 8 - 9).
فعبارات: أنه مات ثم رفعه الله إلى العلا ووهب له الاسم
…
تصيح بأعلى صوتها أن المسيح ليس الله، بل عبد لله، محتاج له، وليس بإله؛ لأن الإله لا يموت ولا يحتاج لمن يرفعه للعلا، ولا لمن يهبه أي شيء!
الثالث: أنه يظهر لنا من خلال ما سبق ما يلي:
1 -
هذه الأقوال صدرت عن بولس، الذي لم يتشرف برؤية المسيح عليه السلام، ولا التلمذة على يديه، ولا نرى مثل هذه العبارات عند أحد من تلاميذ المسيح وحوارييه، وهذا كاف