الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثالثة: قالوا: إن القرآن رفع قدرنا وأعلى منزلتنا، ويحتجون بقوله تعالى:{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55].
الشبهة الرابعة: يقولون: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على كتابنا، وفي هذا دليل على أنها لم تحرف.
الشبهة الخامسة: يقولون: بأن القرآن يعظمنا بتقديم البيع والكنائس، على المساجد.
الشبهة السادسة: يقولون: بأننا وجدنا في القرآن تعظيم المسيح وأمه.
الشهبة السابعة: يقولون: إن القرآن لما جاء مصدقًا لما بين يديه من الكتب فثبت بهذا ما معنا، ونفى عن كتبنا التي في أيدينا التهم والتبديل والتغيير لما فيها بتصديقه إياها.
الشبهة الثامنة: يقولون: بأن القرآن شهد لهم أنهم أنصار الله.
الشبهة التاسعة: الرد على تأويلهم لقول الله تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} .
المبحث الثالث: وماذا عن البشارات التي توجد في الكتاب المقدس بنبوة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
وإليك التفصيل
المبحث الأول: الرد الإجمالي على هذه الشبهة
الوجه الأول: الإيمان بجميع الرسل والكتب المنزلة عليهم هي عقيدة المسلمين
.
قال ابن تيمية: وقد أوجب الله على عباده أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله، وحكم بكفر من آمن ببعض وكفر ببعض فقال تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} (البقرة: 136، 137).
وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: 285)، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)} (النساء: 150 - 152)، فذم المفرق بينهم بأن يؤمن ببعض دون بعض وبين أنه فضل بعضهم على بعض فقال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة: 253)، فبين أنه فضل بعضهم على بعض، وقال تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (الإسراء: 55).
وقد اتفق المسلمون على ما هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام وهو أنه يجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وبجميع ما أنزله الله من الكتب، فمن كفر بنبي واحد تعلم نبوته مثل إبراهيم، ولوط، وموسى، وداود، وسليمان، ويونس، وعيسى، فهو كافر عند جميع المسلمين حكمه حكم الكفار، وإن كان مرتدًا استتيب فإن تاب وإلا قتل، ومن سب نبيًّا واحدًا من الأنبياء قتل أيضًا باتفاق المسلمين، وما علم المسلمون أن نبيًّا من الأنبياء أخبر به فعليهم التصديق به كما يصدقون بما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أن أخبار الأنبياء لا تتناقض ولا تختلف، وما لم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به فهو كما لم يعلموا أن محمدًا أخبر به صلى الله عليهم أجمعين ولكن لا يكذبون إلا بما علموا أنه كذب، كما لا يجوز أن يصدقوا إلا بما علموا أنه صدق، وما لم يعلموا أنه كذب ولا صدق لم يصدقوا به ولم يكذبوا به كما أمرهم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا أمرهم.
وكان دينه الذي ارتضاه الله لنفسه هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، ولا يقبل من أحد دينًا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو دين الأنبياء وأتباعهم كما أخبر الله تعالى بذلك عن نوح ومن بعده إلى الحواريين، قال تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَال لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}
(يونس: 71، 72)، وقال تعالى عن إبراهيم:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَال لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَال أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} (البقرة: 130 - 132)، وقال تعالى عن يوسف الصديق:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف: 101)، وقال تعالى عن موسى أنه قال:{وَقَال مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84].
وأخبر تعالى عن السحرة أنهم قالوا لفرعون: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: 126]، وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن:{قَالتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} [النمل: 44]، وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} (المائدة: 44)، وقال تعالى عن المسيح:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَال مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} (آل عمران: 52: 53). وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (المائدة: 111).
فهذا دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم، هو دين الإسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادته تعالى في كل زمان ومكان بطاعة رسله عليهم السلام، فلا يكون عابدا له من عبده بخلاف ما جاءت به رسله كالذين قال فمهم:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21).