الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يقل: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله. ولا قال: ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله، ولو كان المراد ما فعلوها أو ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله لكان منصوبًا على المفعولية، ولم يتقدم لفظ الفعل ليعمل فيه ولا نفي الابتداع؛ بل أثبته لهم، وإنما تقدم لفظ الكتابة فعلم أن القول الذي ذكرناه هو الصواب وأنه استثناء منقطع، فتقديره وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، فإن إرضاء الله واجب مكتوب على الخلق، وذلك يكون بفعل المأمور وبترك المحظور لا بفعل ما لم يأمر بفعله وبترك ما لم ينه عن تركه، والرهبانية فيها فعل ما لم يؤمر به وترك ما لم ينه عنه (1).
الشبهة السادسة: يقولون: بأننا وجدنا في القرآن من تعظيم المسيح وأمه
.
حيث يقول تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالمِينَ (91)} (الأنبياء: 91)، وقال تعالى:{وَإِذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ (42)} (آل عمران: 42)، وقال تعالى:{وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة: 87).
جوابًا على ما سبق ذكره نقول:
قوله تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} حق، وهذا ليس خاصا فقط بعيسى عليه السلام:
قال ابن تيمية: وأما قوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة: 87)، فهو حق كما أخبر الله به، وقد ذكر تعالى تأييد عيسى بن مريم بروح القدس في عدة مواضع فقال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة: 253)، وقال تعالى: {إِذْ قَال اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ
(1) الجواب الصحيح 1/ 228: 232.
مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (المائدة: 115)، وقال تعالى في القرآن:{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (النحل: 101، 102)، وقال تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (الشعراء: 193، 194)، وقال تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 97).
فروح القدس الذي نزل بالقرآن من الله هو الروح الأمين وهو جبريل. وثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس"(1)
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب منه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: "اهجهم أو هاجهم وجبريل معك"(2).
فهذا حسان بن ثابت واحد من المؤمنين لما نافح عن الله ورسوله، وهجا المشركين الذين يكذبون الرسول أيده الله بروح القدس وهو جبريل عليه السلام، وأهل الأرض يعلمون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن يجعل اللاهوت متحدًا بناسوت حسان بن ثابت، فعلم أن إخباره بأن الله أيده بروح القدس لا يقتضي اتحاد اللاهوت بالناسوت، فعلم أن التأييد بروح القدس ليس من خصائص المسيح، وأهل الكتاب يقرون بذلك، وأن غيره من الأنبياء كان مؤيدًا بروح القدس كداود وغيره؛ بل يقولون: إن الحواريين كانت فيهم روح القدس، وقد ثبت باتفاق المسلمين واليهود والنصارى أن روح القدس يكون في غير المسيح، بل في غير الأنبياء (3).
(1) البخاري (3212)، مسلم (2485).
(2)
البخاري (3213)، مسلم (2486).
(3)
الجواب الصحيح 2/ 125: 126، وراجع شبهة ألوهية المسيح.