الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يجاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا" (يوحنا 18/ 36).
ج- كما أن إشعيا يتحدث عن رئيس السلام، وهو لا ينطبق على الذي نسبت إليه الأناجيل أنه قال:"لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلَامًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلَامًا بَلْ سَيْفًا. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36 وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ."(متى 10/ 34 - 36)، فهل يسمى المسيح الإنجيلي بعد ذلك رئيس السلام؟
د- ثم إن إشعيا يتحدث عن شخص قدير، وليس عن بشر محدود لا يقدر أن يصنع من نفسه شيئا كما قال عن نفسه:"أَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كما أَسْمَعُ أَدِينُ"(يوحنا 5/ 30)، وفي نص آخر يقول لليهود:"الْحَقَّ الْحَقَّ أقولُ لَكُمْ: لَا يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلَّا مَا يَنْظر الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ."(يوحنا 5/ 19).
هـ- ثم إن الكتاب المقدس يمنع أن يكون المسيح ملكًا على بني إسرائيل، فقد حرم الله الملك على ذرية الملك الفاسق يهوياقيم بن يوشيا أحد أجداد المسيح، فقد ملك على مملكة يهوذا، فأفسد، فقال الله فيه:"هكَذَا قَال الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لَا يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَللْبَرْدِ لَيْلًا. وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ، "(إرميا 36/ 30 - 31).
والمسيح -حسب الأناجيل- من ذرية هذا الملك الفاسق، يقول متى في سياق نسب المسيح:"وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ."(متى 1/ 10 - 11)، وقد أسقط متعمدًا اسم يهوياقيم، فذكر أباه يوشيا، وابنه يكينيا، . وبيان ذلك في سفر الأيام الأول "وَبَنُو يُوشِيَّا: الْبِكْرُ يُوحَانَانُ، الثَّانِي يَهُويَاقِيمُ، الثَّالِثُ صِدْقِيَّا، الرَّابعُ شَلُّومُ. وَابْنَا يَهُويَاقِيمَ: يَكُنْيَا ابْنه وَصِدْقِيَّا ابْنُهُ." (الأيام (1) 3/ 14 - 15)، فيهوياقيم أحد أجداد المسيح، وهذا يمنع تحقق نبوءة إشعيا في المسيح، فالملك القادم لن يكون من ذرية المحروم يهوياقيم.
الوجه الثالث: إطلاقات لفظ الألوهية والربوبية في الكتاب المقدس لا يدل على ألوهية المسيح لأنها أطلقت على غيره من المخلوقات وإليك البيان
.
أ- إطلاقها على الملائكة فقد جاء في سفر القضاة، وهو يحكي عن ظهور ملاك الرب لمنوح وزوجه:"وَلَمْ يَعُدْ مَلَاكُ الرَّبِّ يَتَرَاءَى لِمَنُوحَ وَامْرَأَتِهِ. حِينَئِذٍ عَرَفَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلَاكُ الرَّبِّ. 22 فَقَال مَنُوحُ لامْرَأَتِهِ: "نَمُوتُ مَوْتًا لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا الله" (القضاة 13/ 21 - 22)، ومراده ملاك الله. وظهر ملاك الله لسارة وبشرها بإسحاق "وَقَال لَهَا مَلَاكُ الرَّبِّ: "هَا أَنْتِ حُبْلَى، فتلِدِينَ ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لمِذَلَّتِكِ 12 وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ"(التكوين 16/ 11 - 13) فأطلقت على الملاك اسم الرب.
ومثله تسمية الملاك الذي صحب بني إسرائيل في رحلة الخروج بالرب "وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلًا في عمود نار ليضيء لهم. . . فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم"(الخروج 13/ 21 - 14/ 19)، فسمى الملاك ربًا.
ب- ومن ذلك إطلاق كلمة الرب على الأنبياء، من غير إرادة معناها الحقيقي، فقد قال الله لموسى عن هارون:"وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا."(الخروج 4/ 16). ومثله في قول الله لموسى: "فَقَال الرَّبُّ لمُوسَى: "انْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلهًا لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ." (الخروج 7/ 1) أي: مسلطا عليه. وقد عهد تسمية الأنبياء (الله) مجازًا أي رسل الله، فقد "كَانَ يَقُولُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَهَابِهِ لِيَسْأَل الله: "هَلُمَّ نَذْهَبْ إِلَى الرَّائِي". لأَنَّ النَّبِيَّ الْيَوْمَ كَانَ يُدْعَى سَابِقًا الرَّائِيَ." (صموئيل (1) 9/ 9).
ج- وأطلقت لفظة "الله" وأريد منها القضاة، لأنهم يحكمون بشرع الله، ففي سفر الخروج "إن قال العبد. . يقدمه سيده إلى الله، ويقربه إلى الباب. . ."(الخروج 20/ 5 - 6). وفي السفر الذي يليه: "وإن لم يوجد السارق يقدم صاحب البيت إلى الله ليحكم هل لم يمد يده إلى ملك صاحبه. . . فالذي يحكم الله بذنبه يعوض صاحبه"(الخروج 22/ 8 - 9). وفي سفر التثنية" يقف الرجلان اللذان بينهما الخصومة أمام الرب أمام الكهنة"(التثنية 19/ 17).
ومثله "الله قَائِم فِي مَجْمَعِ الله. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي: 2 "حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْرًا وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ الأَشْرَارِ؟ " (المزمور 82/ 2: 1)، والحديث كما هو ظاهر من السياق عن أشراف بني إسرائيل وقضاتهم. بل يمتد هذا الإطلاق ليشمل كل بني إسرائيل كما في قول داود في مزاميره: "أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَليِّ كُلُّكُمْ. 7 لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ" (المزمور 82/ 6)، وهذا الذي استشهد به عيسى عليه السلام عندما قال: "أَليْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ 35 إِنْ قَال آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ الله، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمكْتُوبُ، 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ ألله؟ " (يوحنا 10/ 36: 34).
هـ- وأطلقت على الشياطين، والآلهة الباطلة للأمم، فقد سمى بولس الشيطان إلهًا، كما سمى البطن إلها، وأراد المعنى المجازي، فقال عن الشيطان:"إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح"(كورنثوس (2) 4/ 5)، وقال عن الذين يتبعون شهواتهم ونزواتهم:"الذين إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم. ."(فيلبي 3/ 19). ومثله ما جاء في المزامير "لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعًا لآلِهَةِ."(المزمور 135/ 5)، وألوهية البطن وسواها ألوهية مجازية غير حقيقية.
وجاء في "شرح أصول الإيمان": "موسى تسمى (إلهًا) من الله ذاته، دلالة على نيابته عن الباري لدى فرعون، وليس لكونه اتصف بصفات إلهية، وكذلك القضاة تسموا (آلهة) لكونهم ينفذون مقاصد الله، وأما الأصنام والبطن والمال، فقد سميت بذلك لاتخاذ بعض الناس إياها آلهة، والشيطان تسمى (إلها) لتسلطه على العالم الحاضر"(1)
11 -
كما أن المسيح عليه السلام وهو يسمع بمثل هذه الاستعارات والآلهة المجازية أوضح بأن ثمة إلهًا حقيقيًّا واحدًا، هو الله، فقال:"وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الحقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ."(يوحنا 17/ 3)، وهي ما تعني بوضوح
(1) شرح أصول الإيمان، الدكتور القس أندرواس واطسون، والدكتور إبراهيم سعيد، ص (44).