الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمتك أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة. (1)
الدليل الرابع والعشرون: إثبات الأحدية والصمدية، وأن الله لم يلم ولم يولد
.
قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص: 1 - 4). أي {قُلْ} قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.
{اللَّهُ الصَّمَدُ} أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم؛ لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لكمال غناه {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات. (2)
الوجه الثالث: الأدلة من السنة على بطلان ألوهية المسيح
.
الدليل الأول: يثبت أن الله تعالى لم يلد ولم يولد، وأن من قال هذا القول فقد شتم الله عز وجل
-:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني أبن آدم ولم يكن له ذلك. فأمَّا شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصَّمد، ولم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد. وأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته". (3)
وإنما سماه شتمًا؛ لما فيه من التنقيص؛ لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه،
(1) تفسير السعدي 1/ 249.
(2)
تفسير السعدي 1/ 937.
(3)
أخرجه البخاري (4690).
ويستلزم ذلك سبق النكاح، والنكاح يستدعي باعثًا له على ذلك. والله سبحانه منزه عن جميع ذلك (1)، واتخاذ الولد نقص لاستدعائه محالين:
أحدهما: مماثلته للولد، وتمام حقيقته فيلزم إمكانه وحدوثه.
وثانيهما: استخلافه لخلف يقوم بأمره من بعده؛ إذ الغرض من التوالد بقاء النوع فيلزم زواله وفناؤه سبحانه؛ ولذا قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَال هَدًّا (90)} [مريم: 90]، والأحد: المنفرد المطلق ذاتًا وصفاتًا، وفرق بين الأحد والواحد؛ بأن الواحد لنفي مفتتح العدد، والأحد لنفي كل عدد، فالواحد ينبىء عن تفرد الذّات عن المثل والنظير، والأحد ينبىء عن تفردها عن كل نقص واتصافها بكلِّ كمال، فكيف مع ذلك يحتاج إلى الولد؟ والصمد هو الذي يحتاج إليه كل أحد وهو غني عنهم. (2) فأي شتم لله تعالى أعظم من أن يقال: إن لله ولدًا؟ وأي شتم أعظم من أن يقال: إن رب السموات والأرض تبارك وتعالى نزل عن كرسي عظمته وعرشه، ودخل في فرج امرأة تأكل، وتشرب، وتبول، وتتغوط، وتحيض فالتحم ببطنها، وأقام هناك تسعة أشهر، يتلبط بين نجو، وبول، ودم طمث، ثم خرج إلى القماط والسري كلما بكي ألقمته أمه ثديها، ثم انتقل إلى المكتب بين الصبيان، ثم آل أمره إلى لطم اليهود خديه، وصفعهم قفاه، وبصقهم في وجهه، ووضعهم تاجا من الشوك على رأسه والقصبة في يده؛ استخفافًا به وانتهاكًا لحرمته. ثم قربوه من مركب خص بالبلاء راكبه، فشدوه عليه وربطوه بالحبال، وسمروا يديه ورجليه، وهو يصيح ويبكي ويستغيث من حر الحديد وألم الصلب؛ هذا وهو الذي خلق السموات والأرض، وقسم الأرزاق والآجال، ولكن اقتضت حكمته ورحمته أن يمكن أعداءه من نفسه لينالوا منه ما نالوا؛ فيستحقوا بذلك العذاب والسجن في الجحيم، ويفدى أنبياءه ورسله وأولياءه بنفسه؛ فيخرجهم من سجن إبليس؛ فإن روح
(1) فتح الباري (8/ 168).
(2)
مرقاة المفاتيح كتاب الإيمان 1/ 233.