الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيقت إليه بحذافيرها وترادفت عليه فتوحها إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي. (1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا. (2)
قال النووي: قال أهل اللغة العربية: القوت ما يسد الرمق وفيه فضيلة التقلل من الدنيا والاقتصار على القوت منها والدعاء بذلك. (3)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَةَ أيامٍ حَتَّى قُبِضَ. (4)
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَال: نَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَال:"مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَترَكهَا". (5)
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَال: أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَال لَهُ:"هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّما أَنا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ".
المبحث الرابع: صحابة النبي رضي الله عنهم
-.
لما كان الصحابة هم أول الناقلين لهذا الدين عن نبيهم وجب أن نبين منزلتهم من غير إفراط أو تفريط.
أولًا: تعريف الصحابي:
الصحابي هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام (6).
ذكر بعض فضائلهم:
قال الله تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى
(1) البخاري (2780)، وانظر الشفا 1/ 154.
(2)
مسلم (1055).
(3)
شرح النووي 4/ 157.
(4)
البخاري (5059)، مسلم (2976).
(5)
صحيح. رواه الترمذي (2377)، وأحمد 1/ 301، وصححه الألباني في الصحيحة (439).
(6)
الإصابة (1/ 6)، وفتح المغيث (3/ 79).
سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح: 29).
فأثنى عليهم ربهم وأحسن الثناء عليهم ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن ثم وعدهم المغفرة والأجر العظيم. وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100).
ثم بشرهم بما أعد لهم فقال: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100). وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم والاستغفار لهم فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).
وأمره بمشاورتهم تطييبًا لقلوبهم وتنبيهًا لمن بعده من الحكام على المشاورة في الأحكام فقال: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (آل عمران: 159). وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم، وأن لا يجعل في قلوبهم غلًا للذين آمنوا فقال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (الحشر: 10).
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وشبههم بالنجوم ونبه بذلك أمته على الاقتداء بهم في أمور دينهم كما يهتدون بالنجوم في ظلمات البر والبحر في مصالحهم.
عن أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قال: صَلَّيْنَا المغْرِبَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ انْتَظَرْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَال: ففعلنا فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَقَال: مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا فقُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، قُلْنَا: نُصَلِّي مَعَكَ الْعِشَاءَ قَال: أَصَبْتُمْ أَحْسَنْتُمْ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَال: وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَال: النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أتى أهل السَّمَاءَ
مَا تُوعَدُ وَأنا أَمَنةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أنا أتى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتي فَإِذَا ذَهَبَتْ أَصْحَابِي أتى أُمَّتي مَا يُوعَدُونَ (1).
ثم إنه صلى الله عليه وسلم شهد لهم بكونهم خير أمته فقال: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي (2).
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ الله مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا". (3)
عن أنس بن مالك أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأنصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأنصَارِ". (4)
فيجب على كل مسلم حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأن حبهم دين وإيمان وإحسان لأنه امتثال لأمر الله. وبغض الصحابة كفر ونفاق وطغيان.
فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأخبر أمته بأن أحدًا منهم لا يدرك محلهم ولا يبلغ درجتهم، وأن الله تعالى قد غفر لهم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَال: قَال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أنفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ". (5)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يُبغِضُ الأنصَارَ رَجُلٌ يُؤْمنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ". (6)
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة وجوب السكوت وعدم الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، وذلك بعد مقتل عثمان بن عفان، ونعتقد أن فتنة الجمل قد تمت من غير اختيار من علي بن أبي طالب، ولا من طلحة بن عبيد الله، ولا من الزبير بن العوام رضي الله عنه، وأن عائشة رضي الله عنها خرجت للإصلاح بين المسلمين، مع العلم، بأنهم
(1) مسلم (2531).
(2)
البخاري (2652)، مسلم (2533) من حديث عبد الله.
(3)
مسلم (2496).
(4)
البخاري (3784).
(5)
البخاري (3673)، مسلم (2541).
(6)
مسلم (77).
جميعًا من الذين بشرهم رسول صلى الله عليه وسلم بالجنة.
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة التوقف عما شجر بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان في مع اعتقادنا أن الحق كان مع عاب بن أبي طالب وأصحابه، وأن معاوية كان متأولًا في قتاله لعلي بن أبي طالب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب الرسول:
إن أهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة. ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنهم يُغفر لهم من السيئات مالا يغفر لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، وأن المُد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا، ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتي بحسنة تمحوه، أو غُفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كُفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، ثم القدر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل، نذر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة، والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل، علم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، إنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها. اهـ. (1)
قال الإمام الطحاوي: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. (2)
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (3/ 155: 156).
(2)
العقيدة الطحاوية 1/ 57.