الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما قال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله تعالى به نفسه في القرآن فقراءته، تفسيره لا كيف، ولا مثل. وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية، فقالوا:(أمرّوها كما جاءت بلا كيف).
وسأله رجل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالًا، وأمر به أن يخرج من المجلس. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:(لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء؛ بل يصفه بما وصف به نفسه، ولا يقول فيه برأيه شيئًا، تبارك الله تعالى رب العالمين).
3 - توحيد الألوهية ويقال له توحيد العبادة:
وهو توحيد الله بأفعال العباد التي أمرهم بها، وهو العلم والاعتراف والاعتقاد الجازم بأن الله هو الإلهُ الحق ولا إِلهَ غيره، وكل معبود سواه باطل، وإفراده تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة، وأَن لا يشرك به أَحد كائنا من كان، ولا يُصْرَف شيء من العبادة لغيره؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والدعاء، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكُّل، والخوف والرجاء، والحُبّ، وغيرها من أَنواع العبادة الظاهرة والباطنة، وأَن يُعْبَدَ الله بالحُبِّ والخوفِ والرجاءِ جميعًا، وعبادتُه ببعضها دون بعض ضلال.
قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. وقال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]. وتوحيد الألوهية هو ما دعت إِليه جميع الرُسل، وإنكاره هو الذي أَورد الأُم السابقة موارد الهلاك. وهو أَول الدّين وآخره وباطنه وظاهره، وهو أَول دعوة الرسل وآخرها ولأَجله أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكُتب، وسُلَت سيوف الجهاد، وفرِقَ بين المؤمنين والكافرين، وبين أَهل الجنة وأَهل النَار، وهو معنى قوله تعالى:{لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. ومَن كان ربًا خالقًا، رازقًا، مالكًا، متصرفًا، محييًا، مميتًا، موصوفًا بكل صفات الكمال، ومنزهًا من كلّ نقص، بيده كل شيء، وَجَبَ أَن يكون إِلهًا واحدًا لا شريك له، ولا تُصْرَف العبادة إِلا إليه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الأُلوهية؛ لأنَّ المشركين لم يَعبدوا إِلهًا واحدًا، وإنَّما عَبَدُوا آلهة مُتَعَددَة، وزعموا أَنَّها تقرِّبهم إِلى الله زلفى، وهم مع ذلك معترفون بأَنها لا تضر ولا تنفع، لذلك لم يجعلهم الله مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية، بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة. ومن هنا يختلف مُعْتَقَدُ السَّلف -أَهل السُنَّة والجماعة- عن غيرهم في الألوهية؛ فلا يعنون كما يعني البعض أَنَ معنى التوحيد أنَّه لا خالق إِلا الله فحسب؛ بل إِن توحيد الألوهية عندهم لَا يتحقق إِلا بوجود أَصلين:
الأول: أَن تُصرف جميع أَنواع العبادة له -سبحانه- دون ما سواه، ولا يُعْطى المخلوق شيئًا من حقوق الخالق وخصائصه. فلا يُعبد إِلا الله، ولا يصلى لغير الله، ولا يُسْجَدُ لغير الله، ولا يُنْذَرُ لغير الله، ولا يُتَوكَّلُ على غير الله، وإن توحيد الأُلوهية يقتضي إِفراد الله وحده بالعبادة.
والعبادة: إِما قول القلب واللسان وإمَّا عمل القلب والجوارح.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163]، وقال سبحانه:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزُّمَر: 3].
الثاني: أَنْ تكون العبادة موافقة لما أمر الله تعالى به، وأَمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أَن لا إِلَهَ إِلَّا الله، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإِذعان لما أَمر به ونهى عنه هو تحقيق أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].
وعلى هذا فالقسم الأخير يستلزمه القسمين الأولين ويتضمنهما؛ لأن الألوهية التي
هي صفة تعم أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة؛ فإنه المألوه العبود لما له من أوصاف العظمة والجلال، ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال، فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه أن لا يستحق العبادة أحد سواه.
ومقصود دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم: الدعوة إلى هذا التوحيد.
فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل دعوا إلى هذا التوحيد، ونهوا عن ضده من الشرك والتنديد، وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا القرآن الكريم، فإنه أمر به وفرضه وقرره أعظم تقرير، وبينه أعظم بيان، وأخبر أنه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة إلا بهذا التوحيد، وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية والأفقية والنفسية أدلة وبراهين على هذا الأمر بهذا التوحيد ووجوبه. فتصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، مثل الدعاء والخوف والتوكل والاستعانة والاستعاذة وغير ذلك.
فلا ندعو إلا الله، كما قال تعالى:{وَقَال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 65].
ولا نخاف إلا الله، كما قال تعالى:{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].
ولا نتوكل إلا على الله، كما قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].
ولا نستعين إلا بالله، كما قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
ولا نستعيذ إلا بالله، كما قال تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1].
وهذا النوع من التوحيد هو من أعظم ما جاءت به الرسل عليهم السلام لأن الأول لم تكن فيه خصومة مع المشركين، حيث قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وهذا النوع من التوحيد هو الذي أنكره الكفار قديمًا وحديثًا، كما قال تعالى على لسانهم:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5](1).
(1) انظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد تحت ترجمة كتاب التوحيد، والتوحيد للناشئة فصل أنواع =